وفي هؤلاء يقول ابن حزم: "وقد تسمى باسم الإسلام من أجمع جميع فرق الإسلام على أنه ليس مسلما، مثل طوائف من الخوارج غلوا فقالوا: إن الصلاة ركعة بالغداة وركعة بالعشي فقط، وآخرون استحلوا نكاح بنات البنين، وبنات بني الأخوة، وبنات بني الأخوات، وقالوا: إن سورة يوسف ليست من القرآن. وآخرون منهم قالوا: يحد الزاني والسارق ثم يستتابون من الكفر، فإن تابوا وإلا قتلوا" (?).ولا شك أن هذا كفر صريح، لا يحتمل أي تأويل، ولا يقل عنهم في الكفر فرقة اليزيدية، فإن إمامهم يزيد بن أنيسة "زعم أن الله سيبعث رسولا من العجم، وينزل عليه كتابا من السماء يكتب في السماء، وينزل عليه جملة واحدة، فتترك شريعة محمد ودان بشريعة غيرها، وزعم أن ملة ذلك النبي الصائبة وليس هذه الصائبة التي عليها الناس اليوم، وليس هم الصابئين الذين ذكرهم الله في القرآن ولم يأتوا بعد" (?).ويذكر البغدادي أن يزيد "كان – مع هذه الضلالة – يتولى من شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من أهل الكتاب، وإن لم يدخل في دينه، وسماهم بذلك مؤمنين، وعلى هذا القول يجب أن يكون العيسوية والموشكانية من اليهود مؤمنين؛ لأنهم أقروا بنبوة محمد عليه السلام ولم يدخلوا في دينه" (?). وهذا تناقض ظاهر من يزيد، إذ كيف يشهد بالإيمان ويتولى من شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من أهل الكتاب وهو لم يدخل في الإسلام بل بقي على دينه؟ ولهذا صدق عليه قول البغدادي: "وليس بجائز أن يعد في فرق الإسلام من يعد اليهود من المسلمين، وكيف يعد من فرق الإسلام من يقول بنسخ شريعة الإسلام" (?).

ومما يجدر ذكره أن هذه الفرقة قد عدها الأشعري والبغدادي والشهرستاني وابن حزم من فرق الإباضية، وأن الإباضية منهم من وقف في يزيد، ومنهم من برئ منه، وجلهم تبرأ منه، هكذا يقول الأشعري.

ويقول البغدادي: "وكان على رأي الإباضية من الخوارج، ثم إنه خرج عن قول جميع الأمة".ويقول ابن حزم: "قال أبو محمد: إلا أن جميع الإباضية يكفرون من قال بشيء من هذه المقالات ويبرأون منه ويستحلون دمه وماله". ومن هنا رأينا علي يحيى معمر يرد على ابن حزم بسبب نسبته هذه الفرقة إلى الإباضية، ويشنع عليه بأنه كيف ساغ له نسبتها إلى الإباضية مع أنها تعتقد أقوالا تخرجها إلى الكفر، ثم كيف ساغ له أن يجعلها من الإباضية وهو نفسه يقول: إن الإباضية تكفرها وتستحل منها الدم والمال (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015