أحدهما: أن هذا الكتاب – أي: (الإبانة) للأشعري – ونحوه، صنفه ببغداد في آخر عمره، لما زاد استبصاره بالسنة، ولعله لم يفصح في بعض الكتب القديمة بما أفصح فيه وفي أمثاله، وإن كان لم ينف فيها ما ذكره هنا في الكتب المتأخرة، ففرق بين عدم القول، وبين القول بالعدم. وابن فورك قد ذكر فيما صنفه من أخبار الأشعري تصانيفه قبل ذلك، فقال – أي: ابن فورك -: " ... وبقي إلى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة"، قال: "فأما أسامي كتبه إلى سنة عشرين وثلاثمائة، فإنه ذكر في كتابه الذي سماه (العمد في الرؤية) أسامي أكثر كتبه" ... ثم قال: "وقد عاش بعد ذلك إلى سنة أربع وعشرين وصنف فيها كتباً" ذكر منها أشياء. قال ابن عساكر بعد أن ذكر كلام ابن فورك: "وهذا آخر ما ذكره ابن فورك من تصانيفه، وقد وقع إلى أشياء لم يذكرها في تسمية تواليفه، فمنها ... " (?) اهـ.

¤الأشاعرة في ميزان أهل السنة لفيصل الجاسم - ص 723

المطلب الرابع: أسباب انتقال الأشعري لمذهب أهل السنة وتركه للطريقة الكلابية

كان من أسباب انتقاله إلى السنة، وتركه للمذهب الكلابي التقاؤه بمحدث البصرة الحافظ زكريا الساجي، وهو الذي أخذ عنه معتقد أهل السنة. قال الذهبي في ترجمة الساجي: "وكان من أئمة الحديث، أخذ عنه أبو الحسن الأشعري مقالة السلف في الصفات، واعتمد عليها أبو الحسن في عدة تآليف" (?) اهـ. وقال في (العلو): "وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها، وعنه أخذ أبو الحسن الأشعري الحديث ومقالات أهل السنة" (?) اهـ.

وقد سبق نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وقوله: "وأخذ زكريا الساجي أصول الحديث بالبصرة، ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه في كتبهم" اهـ.

وقال أيضاً في موضع آخر: "ومذهب أهل السنة الذي يحكيه الأشعري في مقالاته عن أهل السنة والحديث، أخذ جملته عن زكريا بن يحيى الساجي الإمام الفقيه عالم البصرة في وقته، وهو أخذ عن أصحاب حماد وغيرهم، فيه ألفاظ معروفة من ألفاظ حماد بن زيد كقوله: "يدنو من خلقه كيف شاء"، ثم أخذ الأشعري تمام ذلك عن أصحاب الإمام أحمد لما قدم بغداد، وإن كان زكريا بن يحيى وطبقته هم أيضاً من أصحاب أحمد كذلك. وقد ذكر أبو عبدالله ابن بطة في (إبانته الكبرى) عن زكريا بن يحيى الساجي جمل مقالات أهل السنة، وهي تشبه ما ذكره الأشعري في (مقالاته)، وكان الساجي شيخ الأشعري الذي أخذ عنه الفقه والحديث والسنة، وكذلك ذكر أصحابه" (?) اهـ.

¤الأشاعرة في ميزان أهل السنة لفيصل الجاسم - ص 725

طور بواسطة نورين ميديا © 2015