ومن الغريب أن ابن أبي الحديد الشيعي يذكر فيما يحكيه عن أبي جعفر – من شيوخه – أن معاوية هو الذي أغرى سمرة بن جندب حتى يقول بأن نزول هاتين الآيتين كان في علي وابن ملجم، وهذا بعيد كل البعد أن يتدنى الصحابة إلى هذا السخف، وهو ما يثبته ابن أبي الحديد بقوله: "قال أبو جعفر: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم، حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ إلى وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة: 204، 205]، وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهو قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ [البقرة: 207]، فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروي ذلك" (?).

وكلا القولين: أي قول حفص وقول أبي جعفر باطل، بل هو من أشنع الأباطيل وأكذب الكذب.

ومع هذا فلابد أن نذكر أنه قد اعتدل فريق من الإباضية في حق الإمام علي رضي الله عنه، وأورد شواهد في فضائله وأن الذين يسبونه ويشتمونه هم الصفرية لا الإباضية فقد أورد مؤلف كتاب (وفاء الضمانة بأداء الأمانة) الحديث الآتي:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سب الأنبياء قتل، ومن سب أصحابي جلد، ومن سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله)) (?) (?)، ثم قال: "أشار إلى الصفرية الذين يحكمون بشركه لقتله أهل النهر كما قال صلى الله عليه وسلم له: ((تهلك فيك طائفتان مفرطة – يعني الصفرية -، وغالية - يعني الروافض-))، وكان لعلي من يبغضه ويشتمه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حسدا بما لا يستحق الشتم به، وليس من الشتم أن يقال: استحق كذا بفعله كذا فإن ذلك لحكم الله وقياما بالحق" (?).وقد أورد علي يحيى معمر فصلا طويلا بين فيه اعتقاد الإباضية في الصحابة بأنهم يقدرونهم حق قدرهم ويترضون عنهم ويرون السكوت عما جرى بينهم، وأنهم لا يبغضون الإمام عليا ولا ينقصونه قدره، ومن هذه النقول ما قاله عن أبي إسحاق أطفيش في رده على الأستاذ محمد بن عقيل العلوي أنه قال له: "أما ما زعمت من شتم أهل الاستقامة لأبي الحسن علي وأبنائه فمحض اختلاف" (?).ثم قال: "ولم يكن يوما من الأصحاب شتم له أو طعن، اللهم إلا من بغض الغلاة، وهم أفذاذ لا يخلو منهم وسط ولا شعب" (?).ويقول عن الثعاريتي أنه كان يقول: "وكيف يجوز لمن يؤمن بالحي الذي لا ينام أن يكفر صهر نبيه عليه السلام الذي لم يسجد قط للأصنام" (?).

ويقول البدر الثلاثي من أبيات في ديوانه:

بنت الرسول زوجها وابناها ... أهل لبيت قد فشى سناه

رضى الإله يطلب الثلاثي ... لهم جميعا ولمن عناها

وكذا ما قاله أيضا أبو حفص عمرو بن عيسى التندميرتي الإباضي من أبيات قال فيها:

وعلى الهادي صلاة نشرها ... عنبر ما خب ساع ورمل

وسلام يتوالى وعلى ... آله والصحب ما الغيث هطل

سيما الصديق والفاروق والجامع ... القرآن والشهر البطل (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015