وقد وردت عن الإباضية أقوال كثيرة في مدح الصحابة عموما، وأنهم لا يختلفون في موالاتهم ولكنهم يرون أنه" لا غبار على من صرح بخطأ المخطئ منهم بدون الشتم والثلب بعد التثبت من ذلك والتبين، وإن أمسك لعموم الأحاديث الواردة فيهم وترك الأمر إلى الله فهو محسن" (?). كما قاله أبو إسحاق أطفيش.

ولعل كلمة أبي إسحاق هذه تصلح عذرا عن الإباضية بأن المبغضين لعلي منهم إنما هم الغلاة منهم، وأما أكثريتهم فتقول بموالاته، ويكون اعتبار المبغضين له شواذا، وهذا ما يقرب بينهم وبين السلف. أما الشخصية الهامة في الخوارج فهو نافع بن الأزرق، فإنه لم يختلف عن بقية الخوارج في غلوه في بغض الإمام علي حيث زعم أن الله تعالى أنزل فيه آية تتلى إلى يوم القيامة تصفه بأقبح الصفات من نفاق وعداوة للإسلام، حين زعم أن الله تعالى أنزل في شأنه: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204]، وفي المقابل أشقى خلق الله يصفه بأن الله أنزل فيه وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة: 207] , (?)، وهذا لا يشك مسلم أنه محض افتراء على الله لا يصدقه عاقل.

أولاً لما عرف عن علي من فضائل وأعلاها حب الله ورسوله، وثانيا أن الله أنزل القرآن منجما على حسب الحوادث وقد عرف أهل العلم سبب نزول كل آية، فهل حادثة علي وعبدالرحمن بن ملجم وقعت في حياة الرسول حتى يمكن القول بأنها نزلت فيها؟! وأهل التفسير يذكرون أن سبب نزول الآية الأولى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ إلخ الآية الكريمة كانت في الأخنس بن شريق على أحد الأقوال، وأما الآية الثانية هنا وهي قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ؛ فقد نزلت في صهيب حين هاجر إلى مكة على أحد الأقوال (?)، فلم يكن سبب النزول هو ما يراه نافع، ولكن البغض والجهل يخرج المرء عن الحقيقة، فقد كانوا في غاية البغض لعلي رضي الله عنه كما قال عمران بن حطان مفتيهم وشاعرهم الأكبر في ابن ملجم:

يا ضربة من تقى ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

أني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا

ومثل نافع صالح بن مسرح، فقد جاء في كتابه قوله مبينا رأيه في عثمان وعلي معا رضي الله عنهما: "وولي المسلمين من بعده – يعني بعد عمر- عثمان، فاستأثر بالفيء وعطل الحدود وجار في الحكم، واستذل المؤمن وعزز المجرم فثار إليه المسلمون فقتلوه، فبرئ الله منه ورسوله وصالح المؤمنين، وولي أمر الناس من بعده علي بن أبي طالب فلم ينشب أن حكم في أمر الله الرجال وشك في أهل الضلال وركن وأدهن، فنحن من علي وأشياعه براء" (?).

وما قلناه من الدفاع عن عثمان سابقا نقوله عن علي رضي الله عنه، وما قيل فيه من ذم فإنه من مزاعم المفتري عليه وهي أكذب من أن يصدقها أو يهتم بردها أحد، وما ظنك بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره ومن تربى على يديه وفي بيت النبوة، ومن شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم مشاهده واشتهر فيها بأنه الشجاع المقدام؟!

لقد أسلم رضي الله عنه مبكرا فلم تلحقه تلك الاعتقادات الجاهلية، وقد زوجه الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة أم الحسن والحسين رضي الله عنهما، وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وما نسب إليه من رضاه بقتل عثمان، أو إدهانه في تحكيم كتاب الله، فهذا كذب محض وافتراء من حاقد جاهل، وهو بريء من هذه الأكاذيب، ولو رجع هؤلاء لعقولهم وحكموها لكانت رادعة لهم عن تنقصه، زاجرة لهم عن شتمه، فضلا عن رجوعهم إلى النصوص الشرعية.

¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص464

طور بواسطة نورين ميديا © 2015