وقد سبق القول – كما ذكرنا آنفا- أنهم لا يرون بالقعود بأسا، بل إنهم يعتبرون من يكفر القاعد عن الهجرة إليهم كافرا، وبذلك يتضح أن الحكم الأول أولى بالقبول عن النجدات لكثرة رواته عنهم وشهرتهم به واتساقه مع مذهبهم في القول بالتقية، بخلاف رواية الأشعري وابن حزم التي تتناقض مع قولهم هذا وهو تجويز التقية، بالإضافة إلى أن ما ذكر على لسان نجدة في أمر القعدة في خطابه إلى نافع بن الأزرق لا ينبغي أن يقابل برواية أخرى تخالفه. أما العوفية من البيهسية فقد أجازت القعود كالنجدات ورأت أن لا بأس به إلا لمن قد هاجر أو خرج مهاجرا، فإنهم اختلفوا فيه على فرقتين: "فرقة تقول: من رجع من دار هجرتهم ومن الجهاد إلى حال القعود نبرأ منهم، وفرقة تقول: لا نبرأ منهم؛ لأنهم رجعوا إلى أمر كان حلالا لهم" (?). وهذا نص الأشعري ومثله البغدادي والشهرستاني. وقد أجازت القعود فرقة المعلومية أيضا فتولوا القعدة، قال البغدادي: "وهذه الفرقة – يعني المعلومية – تدعي إمامة من كان على دينها وخرج بسيفه على أعدائه من غير براءة منهم عن القعدة عنهم" (?).أما الصفرية فإنهم لم يكفروا القعدة إذا كانوا من موافقيهم، يقول الشهرستاني عنهم: "إنهم لم يكفروا القعدة عن القتال إذا كانوا موافقين في الدين والاعتقاد" (?)، بل غالوا في تجويزها حتى صار عامتهم قعدا كما ذكر المبرد (?).وهكذا العجاردة فإنهم قد اعتبروا القعدة المعروفين بحب الدين والتمسك به من أهل ولايتهم وإن كانوا مقيمين بين مخالفيهم، إلا أنهم فضلوا الهجرة إليهم ولم يوجبوها كالأزارقة، فهم "يتولون القعدة إذا عرفوهم بالديانة ويرون الهجرة فضيلة لا فريضة"، وهذا القول موافق لما تقوله الإباضية في هذا الباب كما يقول صاحب كتاب (الأديان الإباضي) (?).

ولعل موقف أصحاب هذا الرأي الأخير من القعدة أكثر تسامحا من موقف الأزارقة المتشدد إلى درجة الغلو حتى مع من هم على مثل رأيهم بمجرد وجودهم مع المخالفين لهم من عامة المسلمين.

¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص454

طور بواسطة نورين ميديا © 2015