وقد جاء في كتاب نجدة الذي وجهه إلى نافع عتاب شديد له بسبب تكفيره القعدة، يقول فيه: "وأكفرت الذين عذرهم الله في كتابه من قعدة المسلمين وضعفتهم فقال جل ثناؤه وقوله الحق ووعده الصدق: لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة: 19]، ثم سماهم بأحسن الأسماء فقال: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ... " إلخ. فلما قرأ نافع كتاب نجدة أجاب عن كل مسألة فيه، أما بخصوص القعدة فقد قال مدافعا عن رأيه: "وعبت علي ما دنت به من إكفار القعدة وقتل الأطفال واستحلال الأمانة، وسأفسر لك لم ذلك إن شاء الله أما هؤلاء القعدة فليسوا كمن ذكرت ممن كان بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا بمكة مقهورين محصورين لا يجدون إلى الهرب سبيلا ولا إلى الاتصال بالمسلمين طريقا، وهؤلاء قد فقهوا في الدين وقرأوا القرآن، والطريق لهم نهج واضح وقد عرفت ما يقول الله فيمن كان مثلهم إذ قال: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 97]، وقال: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ [التوبة: 81]، وقال: وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 90]، فخبر بتعذيرهم وأنهم كذبوا الله ورسوله، وقال: سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 90] , فانظر إلى أسمائهم وسماتهم" (?). وهكذا تباين موقف الأزارقة والنجدات في القعدة. ولكن نجد بعض العلماء يذكر عن النجدات خلاف ما تقدم، فالأشعري يذكر عنهم قولهم: إن "من ثقل عن هجرتهم فهو منافق" (?).ويقول ابن حزم عنهم كذلك "وقالوا من ضعف عن الهجرة إلى عسكرهم فهو منافق، واستحلوا دم القعدة وأموالهم" (?).

فهناك حكمان: الأول هو تجويزهم القعود على سبيل التقية، والثاني الذي يذكره الأشعري وابن حزم هنا أنهم يرون أن من ضعف عن الهجرة إليهم فهو منافق، وهذا يشير إلى أنهم يحرمون القعود باعتباره نفاقا، مع العلم بأن قعود المستضعف لا يكون إلا تقية، والتقية عند النجدات جائزة لا شيء فيها، فهل هم يجيزون التقية ويحرمون القعود على سبيل التقية؟ وهذا تناقض، وهو خلاف المشهور عنهم من تجويزهم القعود والتقية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015