المطلب الثاني: موقف الخوارج من القعدة

اختلف موقف الخوارج تجاه القعدة وتباينت أقوالهم فكانوا فيهم على رأيين:

أ- الرأي الأول: هو اعتبار القعدة من أهل البراءة وأنهم كفار كمخالفيهم من بقية الناس، وهذا الرأي قد ذهبت إليه الأزارقة وعلى رأسهم نافع بن الأزرق وهو من إحداثه التي عددها الأشعري في قوله عنه: "والذي أحدثه البراءة من القعدة والمحنة لمن قصد عسكره وإكفار من لم يهاجر إليه" (?).وقد جاء في كتابه إلى أهل البصرة الذين عابهم فيه بالقعود بين مخالفيهم الظالمين، غير ملتفتين إلى ما يناديهم به القرآن الكريم من آيات تحثهم على الخروج وعلى وجوب جهاد مخالفيهم وتذم القعود – جاء في هذا الكتاب قوله لهم: "والله إنكم لتعلمون أن الشريعة واحدة والدين واحد ففيم المقام بين أظهر الكفار؟ ترون الظلم ليلا ونهارا، وقد ندبكم الله إلى الجهاد فقال: وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً [التوبة: 36]، ولم يجعل لكم في التخلف عذرا في حال من الحال فقال: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً [التوبة: 41] , وإنما عذر الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون ومن كانت إقامته لعلة، ثم فضل عليهم مع ذلك المجاهدين فقال: لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ [النساء: 95] , (?).

وقد اشتد عنف الأزارقة على القعدة فأجمعوا على أنهم مشركون وإن كانوا من موافقيهم في الرأي، يقول البغدادي: "ومنها – يعني من بدع الأزارقة – قولهم: إن القعدة ممن كان على رأيهم عن الهجرة إليهم مشركون، وإن كانوا على رأيهم". وهكذا عند الشهرستاني وابن حزم وابن الجوزي وابن الأثير وغيرهم من علماء الفرق والتاريخ.

ب- الرأي الثاني:

هو القول بأن القعدة غير كفار ولا مشركين، وأن القعود ليس فيه بأس ما دام الشخص على عقيدة راسخة وولاء تام وكره لمخالفيهم، وعلى هذا بعض فرق الخوارج، ومن هؤلاء: النجدات وهم من قدماء الخوارج، فقد رأوا أن القعود بين المخالفين تحت ستار التقية أمر لا غبار عليه حتى ولو بلغت التقية قتل من هم على رأيهم تنفيذا لأوامر مخالفيهم المقيمين معهم. ولقد كان قول نافع بإكفار القعدة سببا في رجوع نجدة عن الانضمام إليه، وذلك أنه قد أراد اللحاق بعسكر نافع للانضمام إليه، ولكنه في أثناء الطريق لقيه جماعة من أصحاب نافع الذين كانوا في جيشه فأخبروه بأن نافعا قد ابتدع بدعا منكرة ومنها تكفيره للقعدة وأنهم خرجوا عنه بسبب ما أحدث من أحداث، وكان من بين هؤلاء: أبو فديك وعطية الحنفي وراشد الطويل ومقلاص وأيوب الأزرق وغيرهم، ثم ثنوا نجدة عن عزمه ورجع إلى اليمامة ناقما على نافع تلك الأحداث ومنها تكفيره القعدة، وقد اشتد في خلافه مع نافع في هذه المسألة فاعتبر القول بإكفار القعدة كفرا من قائله، يقول البغدادي عن النجدات: "وكفروا من قال بإكفار القعدة منهم عن الهجرة إليهم" (?).ويقول الشهرستاني في هذا حاكيا عن الكعبي: "وحكى الكعبي عن النجدات أن التقية جائزة في القول والعمل كله وإن كان في قتل النفوس" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015