وهذا النص يوضح تمام الوضوح نظرهم إلى فكرة تغيير المنكر وحمل الناس على التزام المعروف كما يريدون، فهو يدعو إلى الخروج المسلح وترك شهوات الدنيا والرغبة في الآخرة وخوض المعارك والاستشهاد في سبيل الله؛ لأجل تغيير المنكرات التي يرونها في مجتمعهم ذلك. والخوارج – وهو ما تميزوا به كما قلنا – أرادوا بإقامة هذا الأمر حمل كافة الناس على قبول آرائهم واعتبار كل شيء لا يوافق ما يعتقدونه منكراً يجب الامتناع عنه، وكانوا يولون ذلك أكبر الاهتمام والمحافظة البالغة على تطبيقه تطبيقاً كاملاً صغر الأمر أو كبر دون هوادة في ذلك مهما كانت النتائج، ولو أدى تغيير المنكر إلى الجهاد الجماعي لمخالفيهم بامتشاق السيف وخوض الحروب، خصوصاً إذا كان المرتكب لذلك المنكر – في نظرهم – أحد حكام المسلمين الذي يمثل بطبيعة وظيفته الخلافة الإسلامية، ويناط به الحكم بما أنزل الله، فإن الخروج عليه أوجب وأولى، وفي هذا يقول أحد علمائهم وهو سليمان ابن عبد الله الباروني أن الشراة هم الذين "اشتروا آخرتهم بدنياهم، بمعنى أنهم تخلوا عن الدنيا وعاهدوا الله على إنكار المنكر والأمر بالمعروف بدون مبالاة ولا خوف من الموت ولو أدى بهم ذلك إلى القتال" (?).
وكان زعماؤهم يرددون في كل خطبة لهم على مسامع إخوانهم الخوارج أن تغيير المنكر من الأمور الواجبة عليهم التي لا يعذر الله من قصر في القيام بها؛ نظراً لما شاع في المجتمع من المظالم وإضاعة معالم الدين. يقول حيان بن ظبيان وهو أحد رؤسائهم يخاطب أصحابه: " فانصرفوا بنا رحمكم الله إلى مصر فلنأت إخواننا فلندعهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى جهاد الأحزاب، فإنه لا عذر لنا في القعود وولاتنا ظلمة، وسنة الهدى متروكة، وثأرنا الذين قتلوا إخواننا في المجالس آمنون" (?).ويقول أيضاً معاذ بن جوين الطائي في "دوافع خروجهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الإعذار في ذلك: " يا أهل الإسلام إنا والله لو علمنا أنا إذا تركنا جهاد الظلمة وإنكار الجور كان لنا به عند الله عذر لكان تركه أيسر علينا وأخف من ركوبه، ولكنا قد علمنا واستيقنا أنه لا عذر لنا وقد جعل لنا القلوب والأسماع حتى ننكر الظلم ونغير الجور ونجاهد الظالمين" (?).