المبحث السادس: آراء الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الدين الإسلامي لا يماري فيه مسلم لوروده في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104]، والآيات في هذا المعنى كثيرة. ويقول صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) (?).وهذا الأمر عام لكل من يصلح له هذا الخطاب، ويقول عليه الصلاة والسلام موجباً – حتى على الجالسين على الطرقات – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إياكم والجلوس بالطرقات، فقالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، فقالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (?). والأحاديث في هذا الباب كثيرة. وقد اتفق على القول بوجوب تغيير المنكر كل الفرق – وإن اختلف بعضهم عن بعض في الطريقة التي يتم بها – ومنهم الخوارج، يقول ابن حزم في هذا: " وذهبت طوائف من أهل السنة وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية إلى أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يكن دفع المنكر إلا بذلك" (?).ويقول القاضي عبدالجبار: " وجملة ما نقول في هذا الموضع أنه لا خلاف بين الأمة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (?). وقد اتفق أهل العلم على أنهما فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الآخرين. يقول الحنبلي في مختصر الفتاوى لابن تيمية: " والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، وكل واحد من الأمة مخاطب بقدر قدرته، وهو من أعظم العبادات" (?).والخوارج – كما قدمنا – كغيرهم من الفرق الإسلامية التي تنادي بإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنهم غالوا في تطبيقه فأوجبوا الخروج تغييراً للمنكر ولو لأدنى سبب وعلى أي حال، حتى ولو كان السبب إهمال الإمام لسنة من السنن مهما كانت، ويقول الشهرستاني: إنهم " يرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقاً واجباً" (?).ويقول صاحب إبانة المناهج: إن من أصولهم " القول بالخروج على الإمام الجائر" (?)، ويقول فلهوزن: "وتغيير المنكر واجب على كل فرد بلسانه وبيده، وهذا المبدأ إسلامي عام، ولكن تحقيقه بمناسبة وغير مناسبة كان علامة دالة على الخوارج" (?). وسنتبين طريقتهم فيما يأتي من عرض أقوالهم. يقول أول رئيس للخوارج وهو عبد الله بن وهب الراسبي مخاطباً أتباعه حين اجتمعوا في منزله موجباً عليهم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخروج من أجله: "وما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن وينسبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا التي إيثارها عناء؛ آثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق، فاخرجوا بنا" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015