ويجري هذا المجرى في بيان دوافع الخوارج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يقوله صالح بن مسرح مخاطباً جماعته: "ما أدري ما تنتظرون؟! حتى متى أنتم مقيمون؟ هذا الجور قد فشا، وهذا العدل قد عفا، ما تزداد هذه الولاة على الناس إلا غلواً وعتواً وتباعداً عن الحق وجرأة على الرب، فاستعدوا وابعثوا إلى إخوانكم الذين يريدون من إنكار الباطل والدعاء إلى الحق مثل الذي تريدون فيأتوكم فنلتقي وننظر فيما نحن صانعون، وفي أي وقت إن خرجنا نحن خارجون".ويقول شبيب مخاطباً صالح بن مسرح المذكور: " اخرج بنا رحمك الله، فوالله ما تزداد السنة إلا دروساً، ولا يزداد المجرمون إلا طغياناً" (?).فدوافع الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما جرت على ألسنتهم دوافع دينية تتمثل في ما بدا لهم من شيوع المنكرات والمظالم بين الناس والحكام ومن اندراس معالم الدين في المجتمع، بل إن نافع بن الأزرق كان يرى أن مخالفيهم كفار يجب جهادهم كجهاد الكفار الذين لم ينطقوا بكلمة الشهادة، فقد جاء في كتابه إلى أهل البصرة قوله يحثهم على الخروج: " والله إنكم لتعلمون أن الشريعة واحدة والدين واحد، ففيم المقام بين أظهر الكفار؟ ترون الظلم ليلاً ونهاراً، وقد ندبكم الله إلى الجهاد" (?) إلخ. ويقول الطبري: " وكانت الخوارج يلقى بعضهم بعضاً ويتذاكرون مكان إخوانهم بالنهروان، ويرون في الإقامة الغبن والوكف وأن في جهاد أهل القبلة الفضل والأجر" (?).وقد بالغوا في حب الجهاد والاستبسال فيه إلى حد وصفه أبو زهرة بأنه هوس واضطراب في أعصابهم وليس مجرد شجاعة كما يرى فيقول: " بل هناك صفات أخرى منها: حب الفدا، والرغبة في الموت والاستهداف للمخاطر من غير داع قوي يدفع إلى ذلك، وربما كان منشؤه هوساً عند بعضهم واضطراباً في أعقابهم لا مجرد الشجاعة " (?).فكانوا إذا دعوا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستعملون في سبيل تحقيقه كل ما لديهم من قدرة، ولا ينظرون إلى العواقب أياً كانت تلك العواقب، وكانوا كما يصفهم أحمد أمين " أشد وأقسى وأعنف، فمتى اعتقدوا الحق في شيء نفذوه بالسيف، ولهذا كان تاريخهم سلسلة حروب وخروج على الخليفة". ويقول أيضاً: " فالواجب في نظر الخوارج يجب أن يفعل ثم لتكن النتيجة ما تكون، وظلوا مخلصين لهذا المبدأ طوال العهد الأموي وصدر الدولة العباسية حتى أبيدوا " (?).وقد اعتبر العلامة ابن القيم هذا الاندفاع والعنف في تحقيق ما يريدون بأنه من تعصب أهل البدع لبدعهم، وأنهم يخرجون بعدهم في قوالب متنوعة بحسب تلك البدع، فيرى أن الخوارج أخرجت استحلال قتال الناس في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك في قوله: " وأخرجت الخوارج قتال الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " (?).