فإذا كانت هذه حال سلفهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن بعده من الخلفاء؟! ولهذا فهم قلما يثبتون على إمام ويخضعون له خضوعاً تاماً إلا قليلاً، فنتج عن هذا الموقف ثم من المواقف الأخرى، وهو كثرة حروبهم مع مخالفيهم أو مع بعضهم البعض – كثرة أئمتهم. ومن غرائبهم ما يروى عن فرقة العوفية فقد اعتبرت كفر الإمام سبباً في كفر رعيته، وذلك في قولهم: "إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد" (?)؛ لهذا فينبغي أن يحال بينه وبين الحكم عندما يبدو منه أمر مكفر بأي وسيلة كانت، وإلا فقد كفروا هم أيضاً، فلا أشد من هذه المبالغة في تكفير الناس بغير حق، فإذا كفر الإمام بالمشرق فمن أي وجه تكفر رعيته بالمغرب، بل من أي وجه يكفر حتى ولده الذي هو في بيته مادام متمسكاً بالإسلام؟! ومن هذا القبيل ما قاله الملطي حاكياً عن رئيس البيهسية هيصم بن عامر بأنه قد افترى " فزعم أن حكم الإمام بالكوفة حكماً يستحق به الكفر، ففي تلك الساعة يكفر من كان في حكم ذلك الإمام بخراسان والأندلس، وعلى الإمام إذا أبصر كفره فتاب منه أرسل إلى أهل حكمه كلهم يستتيبهم من الكفر وإن لم يشعروا به، فإن أبي أن يتوب منه وقال ما لي أن أتوب مما لا شك فيه ولم أعلم به ضربت عنقه" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015