وهذه أحكام خاطئة لا تصدر إلا عن عقول جاهلة بمعاني الشريعة وأحكامها، وعلى هذا فما تراه من كثرة حروبهم وخروجهم على أئمتهم أو أئمة مخالفيهم يعتبر أمراً طبيعياً إزاء هذه الأحكام الخاطئة تجاه الإمام؛ فهو عندهم مراقب مراقبة صارمة لا تغتفر له خطيئته، ولا يقبل له عذر في الخطأ إلا بعد الاعتراف والتوبة، أمام طائفة من المؤمنين. فقد " كان المجتمع الإباضي - كما يقول السالمي - يحرص حرصاً شديداً على مراقبة أئمته طيلة الوقت ... فقد كانت جميع خطواته محسوبة عليه، وغلطة بسيطة غير متعمدة تبدر منه عفواً كانت كافية لإثارة الضجة من حوله، وربما أدت إلى عزله وإن كان الخطأ بسيطاً جداً، فعليه أن يعترف به أمام كبار أعلام المسلمين وأن يطلب المغفرة من الله وأن يتوب إليه، وقد قيل بأن كبار العلماء قاموا بمحاسبة الإمام عزان بن قيس لأنه أرسل إلى بلده الرستاق بعض القطع النحاسية التي كسبوها في المعركة، وقد اعترف بخطئه وطلب المغفرة من الله" (?).ومع أن النص يشير إلى الغلو والتشدد المفرط، إذ أن الخطأ اليسير غير المتعمد يكون كافياً لإثارة الضجة والمداولات العنيفة التي قد تؤدي إلى عزل الإمام وسقوطه، وما يتبع سقوطه من فتن ومخاوف- لا يرى الإباضية أن هذا تشدداً بل هو مثل عليا تمثل عصر الخلفاء الراشدين في بساطتهم وعدلهم، كما يذكر السالمي ذلك عن فرقة الإباضية فيقول: " وبحكم بساطتها وعدم غلوها ومثلها العليا استطاعت أن تعيش حتى يومنا هذا، واستطاعت أن تقيم حكم الإمامة الذي انقطع بموت الخلفاء الراشدين وأن توصل حبله" (?).وإضافة إلى ما ذكره السالمي فيما سبق فإن الأشعري يقول عنهم: " ولكنهم يرون إزالة أئمة الجور ومنعهم أن يكونوا أئمة بأي شيء قدروا عليه، بالسيف أو بغير السيف" (?).ولكننا نجد من علماء الإباضية من ينكر أن يكون من رأيهم وجوب الخروج على الأئمة الجورة، بل من رأيهم جواز الخروج وعدمه، وأيضاً يستثنون من جواز الخروج إذا لم يؤد ذلك إلى فتنة أكبر من فتنة الخروج عليه، وإن نازعهم في صحة هذا الاستثناء بعض الكتاب المحدثين، مثل أحمد صبحي الذي اعتبر قول الإباضية المتأخرين وخصوصاً علي يحيى معمر بأنه يجوز الخروج إذا لم يؤد ذلك إلى فتنة أكبر- أنه لم يكن من آراء الخوارج الأصلية – بما فيهم الإباضية واتهم علي يحيى معمر بتقريب مذهب الإباضية إلى مذهب الأشعرية القائلين بهذا التحفظ (?).
ولكننا نجد نصوصاً كثيرة من علماء الإباضية تشهد لما ذهب إليه علي يحيى من جواز الخروج على الأئمة ما لم تكن فتنة أكبر. قال أبو يعقوب الوارجلاني: " وأجزنا الخروج عليهم والكون معهم، فإن خرجنا عليهم قاتلناهم حتى نزيل ظلمهم على البلاد والعباد، وإن لم نخرج عليهم ورضينا بالكون معهم وتحتهم فجائز لنا" (?).ويقول قطب الأئمة محمد يوسف أطفيش: " ونحن بعد لا نقول بالخروج على سلاطين الجور الموحدين، ومن نسب إلينا وجوب الخروج فقد جهل مذهبنا " (?).ويقول علي يحيى معمر: " يجب على الأمة المسلمة أن تقيم دولة عادلة، فإذا كانت الدولة القائمة جائزة جاز البقاء تحت حكمها وتجب طاعتها في جميع ما لا يخالف أحكام الإسلام، على أنه ينبغي للمسلمين أن يستنيموا على الظلم وإنما ينبغي لهم أن يحاولوا تغيير الحكم إذا كان ذلك لا يسبب في إحداث أضرار جسيمة بالأمة " (?).