يرى الخوارج أن الإمام هو المثل الأعلى، ولهذا فيجب أن يكون متصفاً بذلك قولاً وفعلاً، فإن خطأه ليس كخطأ غيره من الناس، فإذا أخطأ خطيئة ما يجب فوراً محاسبته والخروج عليه، فإما أن يعتدل وإما أن يعتزل ولو أدى هذا إلى قتله؛ فإنه حق مشروع لهم حينئذ. وهكذا يعيش الإمام عندهم بين فكي الأسد يحاسب على كل ما يصدر منه محاسبة دقيقة لا تأخذهم فيه لومة لائم فلا طاعة لجائر؛ لأنهم ينكرون الجور أشد الإنكار ولا يعترفون بإمام يعتقدون أنه قد جار في حكمه، قال الأشعري: " ولا يرون إمامة الجائر" (?)، ويحل عليه الخروج عندهم إذا ارتكب ذنباً ولم يتب منه، أو أظهر جور في حكمه، أو كان فيه تقصير عن إقامة الحدود؛ فإن الخروج عليه حينئذ يكون واجباً وقتاله حق واستشهاد، " فهم مشهور بتشددهم وصرامتهم وجرأتهم في محاسبة رؤسائهم" (?).وإشهار السيف في وجهه ووجوه أتباعه من إقامة الدين وإظهاره عالياً؛ لأن الظلمة لا ولاية لهم، ولا تجب طاعتهم؛ فقد قال تعالى: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: 124]، وهذا دليل واضح عندهم على وجوب إقصائه عن الحكم إذا ظلم في حكمه أو جار. يقول الشهرستاني في بيانه لموقف الخوارج من الإمام: " وإن غير السيرة وعدل عن الحق وجب عزله أو قتله" (?).ويقول البغدادي فيما يرويه عن الكعبي: إن من الأمور التي أجمعت عليها الخوارج إجماعهم على " وجوب الخروج على الإمام الجائر" (?).
وهم كما سبق لا يرون للإمام ميزة إلا إقامة الأحكام الشرعية، ولهذا فمراجعته وانتقاده أمر عادي، ولقد أدت هذه النظرية من سلفهم القديم إلى المغالاة والشطط التي دفعت بذي الخويصرة بغير حق إلى نقد النبي صلى الله عليه وسلم نفسه فيما توهمه ظلماً في توزيع الغنائم. قال ابن حزم في كلامه عن خروج الخوارج على علي ومحاربته وعدم الرضى بخلافته وأن هذا كان بسبب جهلهم وقلة علمهم قال: " ولكن حق لمن كان إحدى يمينه ذو خويصرة الذي بلغ ضعف عقله وقلة دينه إلى تجويره رسول الله في حكمه والاستدراك، ورأى نفسه أورع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا وهو يقر أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وبه اهتدى وبه عرف الدين، ولولاه لكان حماراً أو أضل" (?).