ولنا أن نتساءل هل شرط القرشية على إطلاقه؟ وهل الأحاديث الواردة في ذلك دالة على الوجوب مطلقاً أم أن هناك احتمالات أخرى في الموضوع؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل نورد ما ذكره ابن حجر من أن الأحاديث التي وردت في استحقاق قريش الخلافة جاءت على ثلاثة أوجه وهي:1 - وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الأمراء من قريش ما فعلوا ثلاثاً: ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله)) (?). قال ابن حجر: وليس في هذا ما يقتضي خروج الأمر عنهم.2 - وعيدهم بأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم لقوله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر قريش إنكم أهل هذا الأمر ما لم تحدثوا، فإذا غيرتم بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب)) (?). يقول ابن حجر: " وليس في هذا أيضاً تصريح بخروج الأمر عنهم وإن كان فيه إشعار به ".3 - الإذن في القيام عليهم وقتالهم، والإيذان بخروج الأمر عنهم لقوله صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإن لم يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم، فإن لم تفعلوا فكونوا زارعين أشقياء)) (?).

وهذا الحديث صريح في جواز الخروج عليهم عندما ينطبق عليهم حكمه وهو عدم استقامتهم؛ إذ أنهم حينئذ كغيرهم من أهل الضلال عندما انتفى عنهم موجب تقديمهم وهو لزوم شرع الله ولا يلتفت إلى نسبهم.

ولعل هذا هو ما يمكن أن يكون المدار الذي تجتمع عليه الأحاديث بحيث يقال إنهم أولى بالإمامة من غيرهم إذا كانوا صالحين، وإن كان في المجتمع غيرهم من أهل الصلاح، وأما إذا لم يكونوا كذلك وكان غيرهم أصلح منهم وجب تولية الصالح حيث لم يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بتولية غير الصالحين من قريش أو من غيرهم.

والأمر بين في هذا لولا أن الخوارج غلب عليهم الحقد واتباع ما تهوي أنفسهم فأنفوا من الرجوع إلى ما تقتضيه الأحاديث من أولوية قريش إذا كانوا صالحين وحكموا بالأولوية لغير قريش.

ولا ينبغي جحد فضل قريش وميزتهم على غيرهم عند صلاحهم، فقد وردت أحاديث كثيرة في بيان ذلك ويكفيهم فضلاً اختيار الله لرسوله منهم. ويشهد لما ذهبنا إليه في مدى اشتراط القرشية في الإمام ما انتهى إليه اجتهاد الشيخ أبي زهرة رحمه الله في هذا الأمر، فقد جمع بين الأحاديث التي توجب طاعة ولي الأمر مهما كان جنسه وإن كان عبداً حبشياً، وبين قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن هذا الأمر في قريش)) (?). وغيره من الأحاديث - بأن "النصوص في مجموعها لا تستلزم أن تكون الإمامة في قريش وأنه لا تصح ولاية غيرهم، بل إن ولاية غيرهم صحيحة بلا شك، ويكون حديث ((الأمر في قريش)) من قبيل الإخبار بالغيب كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الخلافة بعدي ثلاثون ثم تصير ملكاً عضوضاً)) (?)، أو يكون من قبيل الأفضلية لا الصحة)) (?).

¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص408

طور بواسطة نورين ميديا © 2015