وقال القاضي عياض: " اشتراك كون الإمام قرشياً مذهب العلماء كافة، وقد عدوها في مسائل الإجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها خلاف وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار".ولكن ابن حجر يذكر أنه لا يتم القول بالإجماع إلا بتأويل ما ورد عن عمر رضي الله عنه في إرادته جعل الخلافة في معاذ بن جبل وهو أنصاري ليس من قريش، وذلك في قوله: (إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته ... فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل) – فأجاب ابن حجر عن دعوى الإجماع هذه التي ذكرها القاضي بأنه: " لعل الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشياً أو تغير اجتهاد عمر في ذلك" (?).وقد ذكر الإجماع على حصر الخلافة في قريش النووي، فقال بعد ذكره للأحاديث الدالة على ذلك: "هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرض بخلاف من غيرهم فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة " (?).وقال أيضا: "ولا اعتداد النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش" (?).ويذكر البغدادي أن من أصول السلف أنهم " قالوا من شرط الإمامة النسب من قريش" (?).ويؤكد هذا المعنى أيضاً ابن حزم الأندلسي فيقرر عن عدد من الفرق الإسلامية أنهم يرون وجوب جعل الإمامة في قريش في ولد فهر بن مالك، وأن من هذه الفرق فرقة أهل السنة فقال: "ثم اختلف القائلون بوجوب الإمامة على قريش؛ فذهب أهل السنة وجميع الشيعة وبعض المعتزلة وجمهور المرجئة إلى أن الإمامة لا تجوز إلا في قريش خاصة من كان ولد فهر بن مالك ... " (?).ثم قال: " فصح أنه ليس يجوز البتة أن يوقع اسم الإمامة مطلقاً ولا اسم أمير المؤمنين إلا على القرشي لجميع أمور المؤمنين كلهم أو الواجب له ذلك وإن عصاه كثير من المؤمنين ... وكذلك اسم الخلافة بإطلاق لا يجوز أيضاً إلا لمن هذه صفته" (?).وقد جعل الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي الحنبلي الأحاديث التي وردت في استحقاق قريش الخلافة بأنها تدل على أن قريشاً يشتركون جميعهم في استحقاقها؛ حيث قال: " من الأحكام ما تشترك فيه قريش كلها نحو الإمامة الكبرى" (?).ومع ما ورد من الأحاديث في هذا المقام وأقوال العلماء فإن الخوارج لم يبعثوا بذلك، يقول الدكتور عزت عطية: "وأما الخوارج فلم يبعثوا بالنصوص والأخبار الواردة في ذلك وتمسكوا ببدعتهم" (?).
ولا شك أن الخوارج أو بعضهم قد سمع ما قيل في يوم السقيفة إذ أن هذا الموقف كان معروفاًً في ذهن كل واحد، فإنه لازال طرياً في مسامع الناس حين خرج الخوارج على علي، فيبعد أن لا يسمع أحد منهم بما روي هناك من أن الأئمة في قريش. ويقول ابن حجر مبطلاً احتجاج من احتج بتولية الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وأسامة وغيرهم على أن الخلافة غير لازمة في قريش – بقوله: " وأما ما احتج به من لم يعين الخلافة في قريش من تأمير عبدالله بن رواحة وزيد بن حارثة وأسامة وغيرهم في الحروب، فليس من الإمامة العظمى في شيء، بل فيه أنه يجوز للخليفة استنابة غير القرشي في حياته" (?).