ونقصد بذلك وقوع النزاع المسلح بين المسلمين حول الخلافة من جهة، ونزاع الخوارج مع غيرهم في طريقة تولية الخليفة وشروط قيامه بمهمته من جهة أخرى.
فمن حيث وقوع النزاع بين المسلمين حول الخلافة فإن هناك من الباحثين من يعتبر الخوارج كالشيعة حزبا سياسيا ظهر في فجر الإسلام، وإن ظهورهم يرجع أولا وبالذات إلى الخلاف حول الإمامة العظمى. يقول الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله: "إذا كان السبب في ظهور الشيعة والخوارج هو الاختلاف على الإمامة؛ فإن السبب في ظهور الفرق – يشير إلى المشبهة والمعتزلة .. إلخ – هو البحث والجدل في العقيدة الدينية" (?).
والواقع أن خلاف المسلمين حول الإمامة العظمى بعد مقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه لم يكن سببا في نشأة الخوارج والشيعة وحدهم، بل كان سببا قريبا أو بعيدا في نشأة فرق أخرى كالمرجئة والقدرية. . الخ. لكن أثره في نشأة الشيعة والخوارج آكد وأظهر.
فقد كان الخوارج – قبل خروجهم عن الإمام علي – يكونون جزءا كبيرا من جيشه في حربه مع معاوية، وأدت قضية التحكيم – كما سنرى فيما بعد – إلى خروجهم على علي ومعاوية جميعا. ولولا هذا الخلاف الواقع بين المسلمين حول الإمامة لما كان هناك لتلك العوامل الأخرى التي دفعت بالخوارج إلى الخروج فاعليتها المؤثرة في ظهور الخوارج، على نحو ما صار إليه أمرهم فيما بعد. فلو استقرت الأمور للإمام علي لسار في الناس بسيرة النبي والخليفتين من بعده ولما كانت هناك مبررات لهذا الخروج الذي انتهى بالأمر إلى أن يصبح صراعا مسلحا مع الدولة الإسلامية في عهودها.
فالصراع حول الإمامة إذا له أثره البالغ في إيجاد الاستعداد العام من جهة والعوامل المباشرة من جهة أخرى لخروج الخارجين وثورة الثائرين على هذا الفريق أو ذاك أو عليهما معا، وإذا كنا سنتحدث هنا عن أسباب أخرى للخروج؛ فالواقع أنها ما كانت لتدفع بهم إلى الخروج على هذا النحو لو تجردت من الجو العام الذي أحدثه الصراع حول الإمامة، وحتى لو كانت بذور الثورة كامنة في نفوس الناس - كما قيل - منذ عهد عثمان رضي الله عنه.
فقد كان استقرار أمر الخلافة بعد ذلك خليقا أن يجعل لهذه الثورة منافذ هادئة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دون الخروج المسلح على الخلفاء والأمة معهم على هذا النحو الذي كان عليه الخوارج.
وهناك جانب آخر من جوانب النزاع حول الخلافة التي دفعت بالخوارج إلى الخروج على بني أمية وبني العباس، وهو رأيهم في طريقة اختيار الخليفة وشروط صحة خلافته وكيفية قيامة بأمر الخلافة، وكان من أكبر الدوافع التي تدفعهم إلى الخروج تلك الطريقة التي كان يتم بها اختيار الخلفاء الأمويين والعباسيين عن طريق الوراثة. وهي طريقة تخالف ما يراه الخوارج من ضرورة اختيار الخليفة ممن يصلح للحكم عن طريق الانتخاب الحر من المسلمين، كما سنرى في بحث الخلافة. يقول أحمد أمين: "وقد وضعوا نظرية للخلافة هي: أن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين. . إلى أن يقول: وهذه النظرية هي التي دعتهم إلى الخروج على خلفاء بني أمية ثم العباسيين؛ لاعتقادهم أنهم جائرون غير عادلين لم تنطبق عليهم شروط الخلافة في نظرهم" (?).أضف إلى هذا ما كان في نفوسهم من الحسد لقريش على استقرار الخلافة والنبوة فيهم حسب ما ذهب إليه الأستاذ أبو زهرة من أن الخوارج "كانوا يحسدون قريشا على استيلائهم على الخلافة" (?). وأن السبب في هذا الحسد يرجع إلى أن الخوارج كانت أكثريتهم من القبائل الربعية المنافسة للقبائل المضرية قبل الإسلام، وسوف نزيد هذه المسألة وضوحا عند دراستنا للعامل الرابع من عوامل أسباب خروجهم، وهو عامل العصبية. لقد وصل الحال بالخوارج إلى أن يعتبروا خيرة الصحابة كعثمان وعلي رضي الله عنهما في مقياسهم "أئمة زائفين - على حسب تعبير فلهوزن – يريد الخوارج أن يستبدلوا بهم أئمة صالحين" (?). وهذا الموقف يعبر عن هذه الحساسية التي كانوا عليها تجاه الخلفاء وسياستهم في الحكم، فلقد كانت مسألة الخلافة نصب أعينهم في كل لحظة، وكان الخليفة (أي خليفة) أقرب إلى الاتهام عندهم منه إلى البراءة، ففي كل وقت كان مهددا بالخروج عليه إن زلت به قدم أو صدرت منه فلتة لسان.
وهكذا كان نزاع المسلمين حول الخلافة ودخول الخوارج طرف في هذا النزاع، وما كان لهم في موضوع الخلافة من رأي – كان كل ذلك من أول عوامل خروجهم على الإمام علي ومن جاء بعده من الخلفاء، إلى جانب أن هذا النزاع أوجد عاملا مباشرا فجر ثورة الخروج على الإمام علي وهو التحكيم.
¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص100