لقد حدث في تاريخ هذه الأمة الإسلامية أحداث مؤلمة مزقت كلمتهم وجعلتهم أحزابا وشيعا، كثيرا ما تدور المعارك فيما بينهم.
فقد قوبل الإسلام في نشأته الأولى بمعارضات شديدة وتيارات جارفة للقضاء عليه منذ بزوغ فجره من قبل العناصر الدينية والشعوبية المناوئة له ولكن باءت تلك المحاولات بالفشل. ولكن أعداء الإسلام – وقد فشلوا – لا يمكن أن يقر لهم قرار أو تفوتهم فرصة من الفرص التي تحدث عند غفلة المسلمين؛ لا يمكن أن يفوتهم ذلك دون أن يحاولوا الفت في عضده بأي سلاح كان حسيا أو معنويا؛ ولهذا فقد حدثت فتن كثيرة بسبب تلك المؤامرات الخفية من تلك العناصر. وما حدوث تلك الفتنة الهوجاء التي حيرت ألباب ذوي النهى والتي راح ضحيتها آلاف المسلمين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما فمن بعدهما إلى يومنا هذا – إلا جزء من تلك المؤامرات البعيدة. ولقد صدق الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال للثائرين عليه: "فوالله لئن قتلتموني لا تحابون بعدي، ولا تصلون بعدي جميعا، ولا تقاتلون بعدي جميعا عدوا أبدا" (?).
ومن هنا فقد حدثت بعد ذلك ظواهر هامة في تاريخ هذه الأمة كان من أهمها قيام الخوارج بحركتهم، وهي من أهم الظواهر التي برزت في الحياة الإسلامية، وقد شملت هذه الظاهرة كل النواحي الدينية والسياسية والاجتماعية والفكرية عند المسلمين، ولكل ظاهرة اجتماعية أسبابها المباشرة والبعيدة، وكلما تعقدت الظاهرة وشملت جوانب متعددة في الحياة كلما حملت على ظهورها أسباب معقدة وعوامل متشابكة.
وفي البحث عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى ظهور حركة الخوارج يختلف المفكرون في تحديد هذا السبب أو ذاك، وفي تحديد مدى فاعلية بعض الأسباب وسوف نعرض فيما يلي أهم الأسباب التي يضعها المفكرون أمام ظاهرة حركة الخوارج.
¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص99