لقد رد شارح الطحاوية على هذا فقال: "إن ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية، وإن كانت خلقاً لله تعالى فهي عقوبة له على ذنوب قبلها، فالذنب يكسب الذنب ومن عقاب السيئة السيئة بعدها، فالذنوب كالأمراض التي يورث بعضها بعضاً. بقي أن يقال: فالكلام في الذنب الأول الجالب لما بعده من الذنوب. يقال: هو عقوبة أيضاً على عدم فعل ما خلق له وفطر عليه، فإن الله سبحانه وتعالى خلقه لعبادته وحده لا شريك له، وفطره على محبته وتأليهه والإنابة إليه، كما قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ... الآية [الروم: 30]. فلما لم يفعل ما خلق له وفطر عليه من محبة الله وعبوديته عوقب على ذلك بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك والمعاصي، فإنه صادف قلباً خالياً قابلاً للخير والشر، ولو كان فيه الخير الذي يمنع ضده لم يتمكن منه الشر قال تعالى: ... كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24] ... وأما إذا صادف قلباً فارغاً تمكن منه بحسب فراغه فيكون جعله مذنباً مسيئاً في هذا الحال عقوبة له على عدم الإخلاص، وهو محض العدل. فإن قيل: فذلك العدم من خلقه فيه؟ فالجواب: هذا سؤال فاسد. فإن العدم كاسمه لا يفتقر إلى التكوين والإحداث، فعدم الفعل ليس أمراً وجودياً حتى يضاف إلى الفاعل (?) ...
وبذلك تبطل هذه الشبهة. والله أعلم.
الشبهة الرابعة: تبرير إرسال الرسل: إذا كان الله خالق أفعال العباد، وكان العباد لا فعل لهم فأي فائدة في إرسال الرسل (?)؟! يقول هشام الفوطي: "إذا كان الله لم يزل عالماً بكفر الكافرين، فما معنى إرسال الرسل إليهم؟ وما معنى الاحتجاج عليهم؟ وما معنى تعويضهم لما قد علم أنهم لا يتعرضون له؟ هل يكون حكيماً من دعا من يعلم أنه لا يستوجب له ومن لا يرجو إجابته؟ " (?).
مناقشة هذه الشبهة:
والجواب على هذه الشبهة من وجوه: الأول: هذه الشبهة تنبني على أن العباد لا فعل لهم بمعنى أنهم مجبورون على ما يكون منهم من تصرفات، وقد سبق بيان ما هو في هذا القول من لبس وإبطاله عند الرد على الشبهة الأولى، فإذا بطل الأصل، بطل الفرع (?).