الثاني: أن في قول هشام ما يشير إلى أن الله غير عالم بمن سيؤمن من عباده قبل إرسال الرسل، وفي هذا إضافة نقص إلى الله تعالى، وأنه سبحانه غير عالم بما سيكون، وإضافة النقص إلى الله عز وجل كفر، فما يؤدي إليه مثله. الثالث: يقول ابن تيمية: القدر يؤمن به ولا يحتج به، فمن لم يؤمن بالقدر ضارع المجوس، حيث أثبت خالقاً مع الله، ومن احتج بالقدر ضارع المشركين. قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل: 35] ... ومن أقر بالأمر والقدر وطعن في عدل الله وحكمته كان شبيهاً بإبليس، فإن الله ذكر عنه أنه طعن في حكمته وعارضه برأيه، وأنه قال: بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: 39]. وإذا كان الاحتجاج بالقدر باطلاً، فهذه الشبهة باطلة من باب أولى؛ لأن فيها احتجاج بالقدر على إرسال الرسل (?).رابعاً: معلوم أن الله أرسل الرسل، وأنزل الكتب، لتصدق الرسل فيما أخبرت، وتطاع فيما أمرت. قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ... الآية [النساء: 64]. والإيمان بالقدر من تمام ذلك؛ إذ هو من جملة ما أمرت به الرسل (?). فمن نفى القدر – على زعم أنه يعارض إرسال الرسل – فقد كذب الرسل في بعض ما أمرت به، ومعلوم أن تكذيب الرسل كفر، فما يؤدي إليه مثله. خامساً: أن الرسل إنما بعثوا بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، فإن ما أتوا به من أمر لا يعارض القدر، إنما هو تفصيل له كاشف له، وحاكم عليه، فالقدر أصل للأمر ومنفذ له، وشاهد ومصدق له، فلولا القدر؛ لما وجد الأمر ولا تحقق، ولا قام على ساقه، ولولا الأمر، لما تميز القدر ولا تبينت مراتبه وتصاريفه، فالقدر مظهر للأمر، والأمر تفصيل له، والله له الخلق والأمر، أمره تصريف لقدره، وقدره منفذ لأمره، والقدح في القدر إبطال للأمر، وكمال التوحيد إثباته؛ وبذلك يتبين سر إرسال الرسل، وأنه لا يتعارض مع القدر؛ بل كل منهما يصدق الآخر (?).

وبذلك تبطل هذه الشبهة.

¤المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق - ص 169

طور بواسطة نورين ميديا © 2015