المبحث الثالث: رأي المعتزلة في أفعال العباد

المبحث الثالث: رأي المعتزلة في أفعال العباد رأي المعتزلة في أفعال العباد المباشرة (?):

ليتضح رأي المعتزلة في أفعال العباد المباشرة؛ لابد من سياق شيء من أقوالهم التي قالوها بهذا الصدد، والتي تؤكد صحة ما ننسبه إليهم، فنقول بالله التوفيق. يقول القاضي عبدالجبار – وهو يتكلم عن خلق الأفعال -: " .... والغرض به الكلام في أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم، وأنهم المحدثون لها" (?).ويقول في موضع آخر: "اتفق كل أهل العدل على أن أفعال العباد من تصرفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم، وأن الله عز وجل أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها، ولا محدث سواهم، وأن من قال أن الله سبحانه خالقها ومحدثها، فقد عظم خطؤه، وأحالوا حدوث فعل من فاعلين" (?).

من هذين النصين، يظهر ما يلي:

أولاً: اتفاق أهل العدل على أن الله غير خالق لأفعال العباد، ما عدا ضرار بن عمرو، وحفص الفرد، فقد وافق أهل السنة والجماعة على أن أفعال العباد مخلوقة فيهم لله تعالى. يقول ابن حزم: "وذهب أهل السنة كلهم ... إلى أن جميع أفعال العباد مخلوقة خلقها الله عز وجل في الفاعلين لها، ووافقهم على هذا موافقة صحيحة من المعتزلة ضرار بن عمرو، وحفص الفرد ... " (?).ثانياً: اتفاق أهل العدل أيضاً على أن العباد خالقون أفعالهم، وأن الله أقدرهم على ذلك. وشذ عن هذا الإجماع ضرار بن عمرو، وحفص الفرد كما ذكرنا آنفاً أنهما يوافقان أهل السنة على أنها مخلوقة لله، كما شذ أيضاً معمر والجاحظ، فقد قالا: إن أفعال العباد من فعل الطبيعة، أي: اضطرارية؛ كفعل النار للإحراق، والثلج للتبريد، وهي إنما نسبت إلى فاعليها مجازاً لظهورها منهم، وأن العباد ليس لهم إلا الإرادة (?).إذا كان المعتزلة ينكرون أن يكون الله تعالى خالق أفعال العباد، فهل ينكرون علمه الأزلي بها؟ يقول الخياط: "إن المعتزلة لم ينكروا العلم الأزلي، فالله تعالى عندهم لم يزل عالماً بكل ما يكون من أفعال خلقه، لا تخفى عليه خافية، ولم يزل عالماً من يؤمن ومن يكفر أو يعصي" (?). كذلك لم تنكر المعتزلة أن القدرة التي يعمل بها الإنسان من الله. يقول القاضي: " ... وأن الله – عز وجل – أقدرهم على ذلك ... " (?).ويقول واصل بن عطاء: " .... العبد فاعل للخير والشر ... والرب تعالى أقدره على ذلك كله ... " (?).

وإذاً فأفعال العباد المباشرة باتفاق أهل العدل مخلوقة للعباد بقدرة من الله، ما عدا ضرار بن عمرو وحفص الفرد، فقد وافقا أهل السنة في أنها من فعل الله، وكذلك معمر والجاحظ اللذين قالا: إنها من فعل الطبيعة.

والآن وبعد أن عرفنا رأي المعتزلة في أفعال العباد المباشرة، لنعرف ما تمسكوا به من شبهات.

الفرع الثاني: شبهات المعتزلة النقلية والعقلية التي يتمسكون بها في قولهم: إن أفعال العباد المباشرة مخلوقة لهم، ومناقشتها:

لقد تمسك المعتزلة في قولهم: إن العباد يخلقون أفعالهم بشبهات نقلية وعقلية، منها ما يلي:-

أولاً: الشبهات النقلية:

الشبهة الأولى:

يقول القاضي عبدالجبار: "ومما يستدل به من جهة السمع، قوله تعالى: مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ ... الآية [الملك: 3].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015