ومن الآيات الدالة على أن الفعل في نفسه حسن وقبيح، قوله تعالى: وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 28] إلى قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 31 - 33]. فقد أخبر سبحانه وتعالى أن فعلهم فاحشة قبل نهيهم عنه، وأمر باجتنابه بأخذ الزينة، والفاحشة هنا: طوافهم بالبيت عراة، ثم قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء ... الآية الأعراف: 28. أي: لا يأمر بما هو فاحش في العقول والفطر. ولو كان إنما علم كونه فاحشة بالنهي، وأنه لا معنى لكونه فاحشة إلا لتعلق النهي به لصار معنى الكلام: إن الله لا يأمر بما ينهى عنه، وهذا لا يتكلم به آحاد الناس فضلاً عن الله سبحانه وتعالى؛ ثم أي فائدة في قوله "إن الله لا يأمر بما ينهي عنه"؟ فإنه ليس لمعنى كونه "فاحشة" عندهم إلا أنه منهي عنه، لا أن العقول تستفحشه. ثم قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ... الآية [الأعراف: 32]. فقد دلت الآية على أنه طيب قبل التحريم، وأن وصف الطيب فيه مانع من تحريمه مناف للحكمة. ثم قال سبحانه وتعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ... [الأعراف:33]. ولو كان كونها فواحش، إنما هو لتعلق التحريم بها وليست فواحش قبل ذلك، لكان حاصل الكلام قل إنما حرم ربي ما حرم وذلك تحريم الإثم والبغي فكون ذلك فاحشة وإثماً وبغياً بمنزلة كون الشرك شركاً، فهو شرك في نفسه قبل النهي وبعده، فمن قال: إن الفاحشة والقبائح والآثام إما صارت كذلك بعد النهي فهو بمنزلة من يقول: الشرك إنما صار شركاً بعد النهي، وليس شركاً قبل ذلك، ومعلوم أن هذا مكابرة صريحة للعقل والفطرة. فالظلم ظلم في نفسه قبل النهي وبعده، والقبيح قبيح في نفسه قبل النهي وبعده، والفاحشة كذلك، وكذلك الشرك، لا أن هذه الحقائق صارت بالشرع كذلك، فعلى هذا: فالأشياء قبيحة في ذاتها وازدادت قبحاً عن العقل بنهي الرب عنها. كما أن العدل والصدق: حسن في نفسه وازداد حسناً إلى حسنه بأمر الرب به ثنائه على فاعله، وإخباره بمحبته ومحبة فاعله (?).

وبهذا يظهر بطلان قول المعتزلة: إن الأفعال، إنما يدرك حسنها والثواب عليها، وقبحها والعقاب عليها بالعقل.

¤المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق - ص 163

طور بواسطة نورين ميديا © 2015