والرأي الأقرب للصواب – والله أعلم – قول الأكثرية، وهو أن رأس الاعتزال هو واصل بن عطاء، وأنه نشأ في سنة ما بين (105 إلى 110) للهجرة في البصرة نتيجة للمناظرة في أمر صاحب الكبيرة ثم خروج واصل برأيه المخالف لشيخه الحسن البصري؛ وبعد ذلك أضاف إلى رأيه في مرتكب الكبيرة آراء أخرى أصبحت فيما بعد من أصول المعتزلة، ومن ثم أخذ كل عالم من علمائهم يأتي برأي حتى تكونت هذه الفرقة. وقد استقوا آراءهم من المقالات والآراء السائدة في عصرهم آنذاك؛ وخصوصا البصرة. ففكرة الاختيار ومسئولية الإنسان عن أفعاله أخذها المعتزلة عن القدرية، وعن الجهمية أصحاب الجهم بن صفوان (?) تلقف المعتزلة القول بنفي الصفات وخلق القرآن، وعدم رؤية الله بالأبصار في الآخرة، وهذا الالتقاء يفسر خلط بعض الدارسين بين الجهمية والمعتزلة والقدرية. كما أخذ المعتزلة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الخوارج. كما اتفقوا مع الشيعة في كثير من الآراء الخاصة بالإمامة، كقولهم بوجوب وجود الإمام في كل عصر فضلا عن تجويزهم للتأويل حتى إن ابن المرتضى يرجع أن واصلا وعمرو بن عبيد شيخي الاعتزال تتلمذا على أبي هاشم بن محمد بن الحنفية. وباختصار، فإن المعتزلة لم يجدوا غضاضة في تكوين مذهبهم على أساس انتقائي للأفكار والآراء السائدة في عصرهم؛ وخصوصا آراء الفرق المخالفة (?).أما المكان الذي نشأ فيه الاعتزال، فإنه يكاد يجمع الباحثون على أنه البصرة، ولكن بعضهم يقول: إنه نشأ بالمدينة استنادا إلى أن المعتزلة السياسيين كانوا في المدينة، وكذلك الزهاد، وعلى ما يزعمه بعض الناس من أن أول من قام بالاعتزال أبو هاشم عبد الله والحسن ابنا محمد بن الحنفية، والاثنان كانا يسكنان المدينة، وبالمدينة ولد واصل بن عطاء وسكن فيها في صباه، وأخذ الاعتزال عن أبي هاشم الذي تقدم ذكره آنفا، يقول الملطي: "إن واصلا حمل الاعتزال معه من المدينة إلى البصرة" (?).

والصحيح أن الاعتزال نشأ بالبصرة؛ أما ما ذكره، فإنما المقصود به الاعتزال السياسي واعتزال الزهاد. أما زعم بعضهم أن أول من قام بالاعتزال أبو هاشم عبد الله والحسن ابنا محمد بن الحنفية، فليس بصحيح، وإنما هذا من وضع كبار المعتزلة الذين يحبون أن يكسبوا مذهبهم بعض الأصالة والقداسة في نسبته إلى ابني محمد بن الحنفية؛ لكي يصلوا من ذلك إلى نسبته إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – كما أنه ليس هناك أسانيد تثبت صحة ما زعموه، وأيضا: فقد أثر عن علي – رضي الله عنه – النهي عن الخوض في القدر.

أما قول الملطي أن واصلا حمل الاعتزال معه من المدينة إلى البصرة فليس بصحيح؛ لأنه إما أن يكون بنى قوله على ما ذكر من وجود المعتزلة السياسيين والزهاد بالمدينة، وعلى زعم البعض أن الاعتزال أخذ عن أبي هاشم. أولاً إن كان الأول، فقد أبطلناه مسبقا، فإذا بطل الأصل، بطل ما ينبني عليه، وإن كان الآخر فممن أخذ الاعتزال في المدينة؛ حينئذ يحتاج إلى دليل ولم يبين. إذا ثبت بطلانه. إضافة إلى ذلك: فإن واصلا كان تلميذا للحسن، وتربى على يديه ولم يفارقه إلا عندما خالفه في مسألة مرتكب الكبيرة، وأبعده الحسن عن مجلسه (?). والله أعلم.

¤المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق – ص 26

طور بواسطة نورين ميديا © 2015