المبحث الخامس: إبطال مزاعم الشيعة والمستشرقين حول نسبة المعتزلة إلى الصحابة ومن الشبهات التي أثيرت في العصر الحديث محاولة جملة من المستشرقين الربط بين اعتزال جملة من الصحابة لأحداث الفتنة الأولى، ومسمى المعتزلة الذي ظهر في أول القرن الثاني الهجري، واتخذوا من عبارات المؤرخين دليلاً على قدم مذهب الاعتزال، وأن اعتزال واصل هو امتداد لاعتزال الصحابة للفتنة، ومن هذه النصوص التي اعتمدوا عليها ما ذكره الطبري على لسان المغيرة بن شعبة، عندما سأل عمرو بن العاص، فقال له: "يا أبا عبدالله، أخبرني عما أسالك عنه: كيف ترانا، معشر المعتزلة؟ فإنا قد شككنا في الأمر الذي تبين لكم من هذا القتال، ورأينا أن نتأنى، ونثبت، حتى تجتمع الأمة، قال أراكم، معشر المعتزلة، خلف الأبرار، وأمام الفجار" (?).ولفظ الاعتزال هنا تعني معناها اللغوي المعروف؛ من الكف، وعدم المشاركة في القتال، ولم تكن تشير إلى فئة معينة لها تميز فكري، أو عقدي، ولم يصرح المؤرخون بهذا المعنى: لا الطبري، ولا ابن كثير، ولا غيرهم من مؤرخي أهل السنة، ولكن كتاب المقالات من الشيعة زعموا أن أصل الاعتزال يرجع لاعتزال الصحابة للفتنة؛ فقال القمي "ت (302هـ) "، والنوبختي، وعند الذهبي, النوبختي من نفس طبقة القمي، ولم يذكر سنة وفاته (?)، يقول النوبختي بعد أن يعدد مواقف الصحابة من خلافة علي رضي الله عنه: "وفرقة اعتزلت مع سعد بن مالك، وهو سعد بن أبي وقاص "ت (55هـ) "، وعبدالله بن عمر "ت (73هـ) "، ومحمد بن مسلمة الأنصاري "ت (هـ43) "، وأسامة بن زيد "ت (54هـ) "، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي رضي الله عنه، وامتنعوا عن محاربته، والمحاربة معه، بعد دخولهم في بيعته، والرضاء به؛ فسموا المعتزلة؛ وصاروا أسلاف المعتزلة للأبد، وقالوا: لا يحل قتال علي، ولا القتال معه، وذكر بعض أهل العلم أن الأحنف بن قيس التميمي "ت (هـ67) " اعتزل بعد ذلك في خاصة قومه من بني تميم، لا على التدين بالاعتزال، لكن على طلب السلامة من القتل، وذهاب المال؛ قال لقومه: اعتزلوا الفتنة أصلح لكم" (?).وقال الناشئ الأكبر "ت (292هـ) " أحد مؤرخي الشيعة: "وفرقة اعتزلوا الحرب؛ وهم صنفان: صنف اعتزلوا الحرب، ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل، والمقتول في النار)) (?)، ومن هؤلاء القوم الذين اعتزلوا الحرب على هذه الجهة عبدالله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن سلمة، وأسامة بن زيد، وخلق كثير من الصحابة، والتابعين، ممن رأى القعود عن الحرب فضلاً، وديناً، والدخول فيها فتنة، وهؤلاء هم أصحاب الحديث، وهم الذين يأتمون في كل عصر بمن غلب، والصنف الثاني: فهم الذين اعتزلوا الحرب لأنهم لا يعلمون من في الطائفتين أولى بالحق؛ ومن هؤلاء القوم أبو موسى الأشعري "ت (44هـ) "، وأبو سعيد الخدري "ت (64هـ) "، وأبو مسعود الأنصاري "ت (40هـ) "، والأحنف بن قيس التميمي "ت (67هـ) " في قبائل بني تميم، وقد جاءت الأخبار عنهم بذلك؛ فهذا الصنف الذين اعتزلوا الحرب على هذه الجهة، وكانوا يسمون في ذلك العصر المعتزلة، وإلى قولهم في حرب علي "ت (40هـ) "، وطلحة " ت (36هـ) "، والزبير "ت (36هـ) "، يذهب واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وهما رئيسا المعتزلة" (?).