المبحث الرابع: تاريخ ومكان نشأة المعتزلة وممن استقوا آراءهم

لقد اختلف الباحثون في وقت ظهور المعتزلة كاختلافهم في أصل تسميتهما، وأهم الأقوال في ذلك قولان: الأول: قول من يرى أنها ابتدأت في قوم من أصحاب علي – رضي الله عنه – اعتزلوا السياسة، وانصرفوا إلى العقائد، عندما نزل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية (?).يقول الملطي: ". . . وهم سموا أنفسهم معتزلة؛ وذلك عندما بايع الحسن بن علي معاوية وسلم الأمر إليه اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس – وذلك أنهم كانوا من أصحاب علي – ولزموا منازلهم ومساجدهم، وقالوا نشتغل بالعلم والعبادة" (?).القول الثاني: قول الأكثرية من الباحثين. يرى هؤلاء أن رأس المعتزلة هو واصل بن عطاء المولود سنة (80هـ)، والمتوفى سنة (131هـ)، وقد كان ممن يحضر مجلس الحسن البصري في زمان فتنة الأزارقة (?)، فثارت تلك المسألة التي شغلت الأذهان في ذلك العصر، وهي مسألة مرتكبي الكبيرة، وذلك أنه دخل رجل على الحسن البصري في حلقته في مسجد البصرة، وبين له مذهب الخوارج في الكبيرة، ومذهب المرجئة، وطلب منه بيان الحكم في ذلك، ففكر الحسن، وقبل إجابته قال واصل بن عطاء: أنا أقول أن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق، ولا كافر بإطلاق، بل هو في منزلة بين منزلتي الإيمان والكفر، فطرده الحسن واعتزل في ناحية من المسجد يقرر ما أجاب به على أصحابه (?).والمعتزلة – في كتبهم – يرون أن مذهبهم أقدم في نشأته من واصل، فيعدون من رجال مذهبهم كثيرا من أهل البيت، ولذلك فإنهم يقولون: إن الاعتزال إنما يعود إلى علي بن أبي طالب، وإن ابنه محمد بن الحنفية أخذ عنه هذا المذهب، ثم أورثه محمد لابنه أبي هاشم أستاذ واصل، فهذا ابن المرتضى (?) ينسب علي بن أبي طالب إلى الاعتزال (?).

وما يقوله المعتزلة هنا مردود؛ لأمور منها: 1 - أن الروايات التي تنسب الاعتزال إلى علي بن أبي طالب لم ترد في كتب المعتزلة؛ إضافة إلى ذلك أن أسانيدها ليست صحيحة؛ مما يدل على أنها من وضعهم (?).2 - ما أثر عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه كان ينهى (?) عن الخوض في القدر، فكيف ينهى عن شيء ينتحله؟! 3 - أن ما زعمه المعتزلة – هنا – إنما هو مجرد محاولة لإثبات بعض الأصالة لمذهبهم، وأنه لم يخرج عن عقيدة أهل السنة والجماعة إذا نسب إلى علي أو أحد بنيه (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015