من أشهر القائلين بهذا الرأي نيللو والمستشرق السويدي نيبرج، وملخص رأيهم: أن منشأ الاعتزال من أصل سياسي، وأن المعتزلة الدينية أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد كانوا في الأصل استمرارا في ميدان الفكر والنظر لفئة سياسية سبقتها في الظهور، هي فئة المعتزلة السياسيين الذين ظهروا في حرب صفين، وقبلها في معركة الجمل، وقد أبدوا رأيهم بأدلة، منها ما يلي:
1 - أن لفظ الاعتزال كثيرا ما يرد في كتب التاريخ، وفي لغة السياسة في القرن الأول والنصف الأول من القرن الثاني للهجرة للدلالة على الامتناع عن مناصرة أحد الفريقين المتنازعين، وعلى الوقوف موقف الحياد، كأن يرى الرجل فئتين متقاتلتين، ثم هو لا يقتنع برأي أحدهما أو رأي أن كلا الفريقين غير محق. من ذلك ما نراه من إطلاق المؤرخين هذه الكلمة (المعتزلة) كثيرا على الطائفة التي لم تشارك في القتال بين علي وعائشة في حرب الجمل، وعلى الذين لم يدخلوا في النزاع بين علي ومعاوية (?)، فقد ذكر الطبري (?) في حوادث سنة (36) هـ, أن قيس بن سعد – عامل مصر من قبل علي – كتب إليه يقول: "إن قبلي رجالا معتزلين قد سألوني أن أكف عنهم، وأن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس، فنرى ويرى رأيهم" (?).وفي موضع آخر يقول: "ولم يلبث محمد بن أبي بكر شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادعهم، فقال: يا هؤلاء إما أن تدخلوا في طاعتنا، وإما أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: إنا لا نفعل، دعنا حتى ننظر إلى ما تصير إليه أمورنا، ولا تعجل بحربنا" (?).2 - هناك نصوص وشواهد مهمة تفيد أن مثل هذه الفئة المعتزلة التي وقفت على الحياد في الحروب المشار إليها أطلقت على نفسها اسم المعتزلة أو أطلق عليها اسم المعتزلة من ذلك ما يذكره الملطي (?) إذ يقول: "وهم سموا أنفسهم معتزلة؛ وذلك عندما بايع الحسن بن علي – رضي الله عنه – معاوية وجميع الناس، وكانوا من أصحاب علي – رضي الله عنه – لزموا منازلهم ومساجدهم وقالوا: نشتغل بالعلم والعبادة، فسموا بذلك معتزلة" (?).وما يقوله النوبختي (?): "لما قتل عثمان بايع الناس عليا، فسموا الجماعة ثم افترقوا ثلاث فرق: فرقة أقامت على ولاية علي – رضي الله عنه –، وفرقة اعتزلت مع سعد بن مالك وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد بن حارثة؛ فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي وامتنعوا عن محاربته، والمحاربة معه بعد دخولهم في بيعته والرضا به، فسموا المعتزلة، وصاروا أسلاف المعتزلة إلى آخر الأبد، وقالوا: لا يحل قتال علي ولا القتال معه (?).
وقد رد بعض الباحثين هذا الرأي محتجين بأمور، منها: 1 - أن أقوال المعتزلة الكلامية ليس فيها ما يثبت الأصل السياسي لنشأتهم. يقول الأستاذ كوريان: "إذا فكرنا مليا في مذهب الاعتزال، وفي حرية الاختيار؛ رأينا أن السياسية لا تشكل سببا كافيا لنشوئهما" (?).