ومن مسالك علماء السلف في الرد على المرجئة الغلاة تكفيرهم بما نسب لهم من الأقوال الشاذة التي تبيح المحرمات؛ فقد روى اللالكائي، وابن بطة، والطبري، عن معقل بن عبيدالله العبسي "ت 116"، قال: قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء، فنفر منه أصحابنا نفاراً شديداً؛ منهم ميمون بن مهران "ت 119ط، وعبدالكريم بن مالك، فأما عبدالكريم بن مالك، فإنه عاهد الله أن لا يأويه وإياه سقف بيت إلا المسجد، قال معقل: فحججت، فدخلت على عطاء بن أبي رباح "ت: 124" في نفر من أصحابي، وغذا هو يقرأ سورة يوسف، وقال: قلت له: إن لنا حاجة، فأدخلنا، ففعل، فأخبرته أن قوما قبلنا قد أحدثوا، وتكلموا، وقالوا: إن الصلاة، والزكاة ليستا من الدين، فقال: أوليس الله - عز وجل - يقول: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [البينة: 5]، قال: وقتل إنهم يقولون: ليس في الإيمان زيادة، قال: أوليس قد قال الله فيما أنزل: لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح: 4].هذا الإيمان الذي زادهم، قال: فقلت: إنهم انتحلوك، وبلغني أن ابن درهم دخل عليك في أصحابه، فعرضوا عليك قولهم، فقبلته، فقلت هذا الأمر، فقال: لا، والله الذي لا إله إلا هو "مرتين، أو ثلاثاً"، قال: ثم قال: قدمت المدينة، فجلس إلى نافع مولى ابن عمر "ت 119"، فقلت: يا أبا عبدالله، إن لي إليك حاجة، قال: سر، أم علانية؟ فقلت: لا، بل سر، قال: دعني من السر، سر لا خير فيه، فقلت: ليس من ذلك، فلما صلى العصر، فذكرت له قولهم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أضربهم بالسيف حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله))، قال: قلت: إنهم يقولون: نحن نقر بالصلاة، فريضة، ولا نصلي، وأن الخمر حرام، ونحن نشربها، وأن نكاح الأمهات حرام، ونحن نريده، فنتر يده من يدي، وقال: من فعل هذا فهو كافر" (?).ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أحمد، ووكيع، تكفير غلاة المرجئة؛ فقال: "وأما جهم، فكان يقول: إن الإيمان مجرد تصديق القلب، وإن لم يتكلم به، وهذا القول لا يعرف عن أحد من علماء الأمة، وأئمتها؛ بل أحمد، ووكيع، وغيرهما، كفروا من قال بهذا القول" (?).وروى الخلال عن عبيدالله بن حنبل قال الحميدي "عبداللهبن الزبير بن عيسى": وأخبرت أن قوما يقولون: إن من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولم يفعل من ذلك شيئاً، حتى يموت، أو يصلي مسند ظهره، مستدبر القبلة، حتى يموت، فهو مؤمن، ما لم يكن جاحداً، إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه، إذا كان يقر الفروض، واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر بالله الصراح، وخلاف كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفعل المسلمين قال الله - عز وجل -: حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5]، قال حنبل: "قال أبو عبدالله، وسمعته يقول: من قال هذا فقد كفر بالله، ورد على الله أمره، وعلى الرسول ما جاء به" (?).