ويعيب ابن أبي مليكة مقالة المرجئة الغلاة؛ فيقول: "وقد أتى على برهة من الدهر، وما أراني أدرك رجلاً يقول: أنا مؤمن، فما رضي بذلك حتى قال على إيمان جبريل، وميكائيل، وما كان محمد صلى الله عليه وسلم يقول بذلك، وما زال الشيطان يتعلب بهم حتى قالوا: مؤمن، وإن نكح أمه، وأخته، وابنته؛ والله، ولقد أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً، ما مات أحد إلا وهو يخشى النفاق" (?).وقال ابن مجاهد: كنت عند عطاء بن أبي رباح، فجاء ابنه يعقوب، فقال: "يا أبتاه، إن أصحابا لنا يزعمون أن إيمانهم كإيمان جبريل، فقال: يا بني، ليس إيمان من أطاع الله كإيمان من عصى الله" (?).وعن سويد بن سعيد الهروي، قال: "سألنا سفيان بن عينية عن الإرجاء، فقال: يقولون: الإيمان قول، ونحن نقول: الإيمان قول، وعمل، والمرجئة أوجبوا الجنة لم شهد أن لا إله إلا الله "مصراً بقلبه على ترك الفرائض"، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليس بسواء؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل، ولا عذر، هو كفر؛ وبيان ذلك من أمر آدم - صلوات الله عليه -، وإبليس، وعلماء اليهود؛ أما آدم، فنهاه الله - عز وجل - عن أكل الشجرة، وحرمها عليه، فأكل منها متعمداً؛ ليكون ملكاً، أو يكون من الخالدين؛ فسمي عاصياً من غير كفر، وأما إبليس - لعنه الله -، فغنه فرض عليه سجدة واحدة، فجحدها متعمداً؛ فسمي كافراً، وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي رسول، كما يعرفون أبناءهم، وأقروا به باللسان، ولم يتبعوا شريعته؛ فسماهم الله - عز وجل - كفارا، فركوب المحارم مثل ذنب آدم - عليه السلام -، وغيره من الأنبياء، وأما ترك الفرائض جحوداً، فهو كفر؛ مثل كفر إبليس - لعنه الله -، وتركهم على معرفة من غير جحود جحود، فهو كفر مثل كفر علماء اليهود" (?).ومن مسالك علماء السلف مع مبتدعة المرجئة الحوار معهم، وبيان تهافت فكرتهم وبطلانها؛ فقد روى الطبري عن سلام بن أبي مطيع قال: "سمعت أيوب، وعنده رجل من المرجئة، فجعل الرجل يقول: إنما هو الكفر، والإيمان، قال: فأقبل عليه أيوب، فقال: أرأيت قول الله: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ [التوبة: 106]، أمؤمنون أم كفار؟ قال: فسكت الرجل، قال: فقال له أيوب: اذهب، فاقرأ القرآن؛ فكل آية في القرآن فيها ذكرالنفاق فإني أخافها على نفسي" (?).وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: يا سفيه، ما أجهلك! ألا ترضى أن تقول: أنا مؤمن، حتى تقول: أنا مستكمل الإيمان؟ لا، والله، لا يستكمل العبد الإيمان حتى يؤدي ما فرض الله عليه، ويجتنب ما حرم الله عليه، ويرضى بما قسم الله - عز وجل - له، ثم يخاف مع ذلك أن لا يقبل منه" (?).وجاء رجل إلى ميمون بن مهران يخاصمه في الإرجاء، فبينما هما على ذلك إذ سمعا امرأة تغني، فقال ميمون: أين إيمان هذه من إيمان مريم بنت عمران؟ فانصرف الرجل، ولم يرد عليه (?).