والصورة الثالثة: مقالة الجهمية الأولى. وكان قصدهم بها التدرج إلى أن يقولوا أسماء الله مخلوقة؛ لأنها غير الله وكل ما هو غير الله فهو مخلوق (?)، فأسماء الله مخلوقة. أما الصورة الثانية: وهي أن الاسم عين المسمى - فهي مقالة الماتريدية كما سبق، وهكذا قالت: الأشعرية (?).
ومقاصدهم باطلة تتضمن الضلال من القول بخلق أسماء الله الحسنى.
ولكن هذا القول قاله كثير من المنتسبين إلى السنة أيضاً لكن مقاصدهم طيبة.
قال شيخ الإسلام: "الذين قالوا: الاسم هو المسمى كثير من المنتسبين إلى السنة مثل أبي بكر عبدالعزيز وأبي القاسم الطبري اللالكائي، وأبي محمد البغوي صاحب (شرح السنة) وغيرهم ... ".ثم ذكر محملاً حسناً لكلامهم كما بين خطأ الناس عليهم (?).
قلتُ: هذا من الألفاظ الكلامية البدعية المجملة وقد تقدم قاعدة أئمة السلف فيها من أنه يجب التفصيل في ذلك ليتبين الحق من الباطل.
قال شيخنا عبدالله بن محمد الغنيمان حفظه الله: "فلا يطلقون - (أهل السنة) - بأنه المسمى ولا غيره بل يفصلون حتى يزول اللبس فإذا قيل لهم: أهو مسمى أم غيره؟ قالوا: ليس هو نفس المسمى ولكن يراد به المسمى. وإن أريد بأنه غيره: كونه بائناً عنه - فهو باطل لأن أسماء الله من كلامه وكلامه صفة له قائمة به لا تكون غيره" (?).
قلت: قد يكون لقول القائل: "الاسم عين المسمى" وقول الآخر: "الاسم غير المسمى" توجيه صحيح آخر.
بشرط أن لا يقصد معنى باطلاً.
وبيانه أنه إذا قال القائل: ما معبودكم؟.
فقلنا: "الله".
فالمراد ههنا: "المسمى" فيكون الاسمُ "عين المسمى"؛ لأنه ليس القصد أن المعبود هو لفظ "الله" أو هذا القول"، بل القصد: أن المعبود هو ما سمي بالله.
وإذا قال ما اسم معبودكم؟.
فقلنا: "الله".
فالمراد ههنا: أن اسم معبودنا هو هذا القول: "الله" ولفظه.
وليس المراد: أن اسمه هو عين ذاته.
فإن السائل لم يسأل عن ذاته وإنما سأل عن اسمه.
فههنا يكون الاسم غير المسمى. لاختلاف السؤال فلكل مقام مقال (?). والجواب حسب السؤال.
لكن الجهمية الأولى وأفراخهم من الماتريدية والأشعرية قصدوا بذلك باطلاً لما في طيه ضلال، وتعطيل وقول بخلق أسماء الله تعالى. فاشتد نكير أئمة السنة عليهم (?).ولم يكن السلف خاضوا في ذلك لا نفياً ولا إثباتاً (?).
بل شنوا الغارة على من خاض في ذلك.
حتى يروى عن الإمام الشافعي (204هـ) والإمام عبدالملك بن قريب الأصمعي (216هـ) وغيرهما:
"إذا سمعت الرجل يقول "الاسم غير المسمى".فاشهد عليه بالزندقة" (?).
وقال الإمام ابن جرير الطبري (310هـ) "وأما القول في الاسم أهو المسمى أم غير المسمى" فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام فيستمع، فالخوض فيه شين، والصمت عنه زين.