المبحث التاسع: الرد على قولهم بخلق أسماء الله الحسنى

لقد سبق أن ذكرنا مذهب الماتريدية في أسماء الله الحسنى وما كان عندهم من حق يشكرون به وباطل يذمون به.

وكان من جملة ما عندهم من الباطل القول ببدعة خلق أسماء الله الحسنى.

ولنا في المقام كلمات ثلاث:

الكلمة الأولى:

أن هذه البدعة مبنية على بدعة خلق القرآن؛ لأن أسماء الله تعالى من كلام الله تعالى والقرآن كلام الله سبحانه.

وضرر هذه البدعة لا تقل عن ضرر بدعة خلق القرآن.

ولذلك ترى سلف هذه الأمة وأئمة السنة قد كفروا من قال: بخلق أسماء الله الحسنى، كما كفروا من قال: بخلق القرآن.

وسبب ذلك:

أنهم لما قالوا: "الاسم هو المسمى".

حجوا بتعدد أسماء الله تعالى.

فقالوا فراراً عن هذا المضيق: إن هذه الأسماء تسميات وهي ألفاظ وحروف غير الله تعالى فهي مخلوقة.

فصار قولهم بخلق أسماء الله الحسنى كقولهم بخلق القرآن.

هكذا تطورت البدع من الجعد (126هـ) إلى الجهم (128هـ) ثم إلى بشر المريسي الحنفي (228هـ) ثم إلى بقية المعتزلة ثم إلى الكلابية فالماتريدية وزملائهم الأشعرية فالبدع تكون في البداية نقطةً ثم تكون بحاراً لا ساحل لها ولا أرجاء. كما قال شيخ الإسلام: "فالبدع تكون في أولها شبراً ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذرعاً وأميالاً وفراسخ" (?).

فوقعوا في خرق وحمق من وجهين:

الأول: جعلهم الاسم عين المسمى.

الثاني: قولهم بأنها مخلوقة.

فخالفوا ما دل عليه الكتاب والسنة،، ولغة العرب وإجماع الأمة. قال شيخ الإسلام: "ولهذا أنكر قولهم جمهورُ الناس من أهل السنة وغيرهم" (?).وقال: "وكلاهما باطل مخالف لما يعلمه جميع الناس من جميع الأمم ولما يقولونه ... " (?).وقال: "والتسمية نطق بالاسم وتكلم به، وليست هي الاسم بنفسه، وأسماء الأشياء هي الألفاظ الدالة عليها، وليست هي عين الأشياء" (?).

فهؤلاء أصابوا في جعلهم التسمية غير الاسم.

ولكن أخطأوا في جعل الاسم عيناً للمسمى، كما أخطأوا في جعلها مخلوقةً.

وهؤلاء إذا قالوا: الاسم غير مخلوق يقصدون المسمى وهو الله.

وإذا قالوا: الاسم مخلوق يقصدون لفظ "الله" ولفظ "الرحمان" ولفظ "الرحيم" ومن لم يمارس اصطلاحات هؤلاء قد لا يتفطن لما يريدون، فيظن أنهم على طريقة أهل السنة.

ولذلك قال شيخ الإسلام.

"فهم تكلفوا هذا التكليف ليقولوا: "إن اسم الله غير مخلوق".

ومرادهم، أن الله غير مخلوق.

وهذا مما لا تنازع فيه الجهمية والمعتزلة.

فإن أولئك ما قالوا: الأسماء مخلوقة.

إلا لما قال هؤلاء: "هي التسميات".

فوافقوا الجهمية والمعتزلة في المعنى. ووافقوا أهل السنة في اللفظ" (?).

الكلمة الثانية:

هل الاسم للمسمى أم عينه أم غيره؟ ".

قلتُ: هذه صورٌ ثلاثٌ.

فالصورة الأولى: هي المقالة الصحيحة فالاسم للمسمىً، قال الله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]

وقال سبحانه: قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الإسراء: 110] قال شيخ الإسلام: وهذا هو القول بأن "الاسم للمسمى" وهذا الإطلاق، اختيار كثير من المنتسبين إلى السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيره (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015