أيضاً؟ فهو بدل أن يقلد شيخ الإسلام الذي صرح بتضعيف الحديث من جميع طرقه كما رأيت، يقلد الاخنائي، أو بدل أن يقلد الإمام النووي الذي ضعف جداً طريقيه المتقدمين -وهما أشهر طرقه- قلد السبكي الذي قوى الحديث خلافاً لكل من تكلم على الحديث من المتقدمين عليه- علماً وزمناً- الذين جزموا بأنه حديث منكر كابن خزيمة والبيهقي وغيرهما ممن تكلموا على مفردات طرقه وضعفوها كلها ممن سبق ذكرهم كالعقيلي الذي صرح بضعف جميع طرقه والعسقلاني والذهبي والسيوطي، فضلاً عن ابن تيمية وابن عبد الهادي، فلو أن الدكتور كان يحسن التقليد على الأقل لقلد هؤلاء لاختصاصهم بهذا العلم وكثرة عددهم وتقدمهم، ولكن صدق الله العظيم: «ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور».
واعتقادي أن الدكتور يظن (وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) أن أي حديث كثرت طرقه تقوى بها! وهذا جهل مخالف لما هو مقرر في علم مصطلح الحديث، قال ابن الصلاح في "المقدمة" (ص36 - 37) بعد أن ذكر الحديث الحسن لغيره وهو الذي جاء من أكثر من وجه ليس فيه مغفل كثير الخطأ.
(لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها مع كونها رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث: «الأذنان من الرأس» ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن، لأن بعض ذلك يعضد بعضاً كما قلتم في الحسن على ما سبق آنفاً؟ وجواب ذلك أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه صنف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه، وكذلك إذا كان ضعفه