له، وبهذا المعنى يفسر {السُّفَهَاءُ} في الآية. والمراد من {النَّاسُ}: المؤمنون بالرسول، الصادقون في إيمانهم. والقائل لهم: {آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ}: الرسول، أو بعض المؤمنين.
ثم إن بعض هؤلاء المنافقين يقول لبعضهم: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ يريدون: أتباع الرسول بحق. وروي أنهم كانوا يقولون: أنؤمن كما آمن سفيه بني فلان، وسفيه بني فلان؟ فأوحى الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الذي يقولون.
{أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}:
هذا ردٌّ منه تعالى، وقلبٌ لصفة السفه عليهم؛ ذلك أنهم أعرضوا عن النظر في الدليل، وباعوا آخرتهم بدنياهم، وهذا أقصى ما يبلغه الإنسان من سفه العقل.
وقد تضمن هذا الرد تسفيههم وتكذيبهم في دعوى سفه الصادقين في إيمانهم؛ فإن قوله تعالى: {إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} يفيد أن السفه مقصور عليهم، فلا يتجاوزهم إلى المؤمنين بحق. وإنما قال في الآية السابقة: {لَا يَشْعُرُونَ} , وقال في هذه الآية: {لَا يَعْلَمُونَ}؛ لأن الآية السابقة وصفتهم بالإفساد، وهو من المحسوسات التي تدرك بأدنى نظر، فيناسبه نفي الشعور الذي هو الإدراك بالمشاعر؛ أي: الحواس، أما هذه الآية، فقد وصفتهم بالسفه، وهو ضعف الرأي، والجهل بالأمور، وهذا لا يدركه الشخص في نفسه إلا بعد نظر وإمعان فكر، فيناسبه نفي العلم.
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}:
لقيه: إذا استقبله قريباً منه. ومعنى {آمَنَّا}: أخلصنا الإيمان بقلوبنا؛ لأن الإقرار باللسان معلوم منهم. و {خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}: انفردوا بهم،