ادخل دار الخلوة لمن تناجي وأحضر قلبك لفهم ما تتلو، ففي خلوات التلاوة تزف أبكار المعاني، إذا كانت مشاهدة مخلوق يوم {اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} [يوسف: 31] استغرقت إحساس الناظرات {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 31] فكيف بالباب عقلت؟ فعلقت على الباب؟.
يقول الحسن البصري: ركعتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ.
إن ناموا توسدوا أذرع الهمم، وإن قاموا فعلى أقدام القلق لما امتلأت أسماعهم بمعاتبة "كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني"، خلفت أجفانهم على جفاء النوم.
قبل توجه قتيبة بن مسلم إلى فتوحات الصين أرسل رجلاً إلى المسجد ينظر من فيه (أي أنه يستطلع الأحوال الإيمانية أولاً) فقال له الرجل: رأيت محمد بن واسع (وهو من التابعين) رافعًا إصبعه (يدعو)، فقال قتيبة: إصبعه تلك أحب إليَّ من ثلاثين ألف عنان (أي فرس)، وكان قتيبة يحرص على مصاحبته في الحرب لصلاحه وتقواه.
يروى عن عاصم بن يوسف أنه ذكر له عن حاتم الأصم، أنه كان يتكلم مع الناس في الزهد، والإخلاص، فقال عاصم لأصحابه: اذهبوا بنا إليه نسأله عن صلاته إن كان يكملها، وإن لم يكن يكملها نهيناه عن ذلك.
قالوا: فأتوه، وقال له عاصم: يا حاتم جئنا نسألك عن صلاتك.
فقال له حاتم: عن أي شيء تسألني، عافاك الله؟ عن معرفتها؟ أو عن تأديتها؟
فالتفت عاصم إلى أصحابه وقال لهم: زادنا حاتم ما لم نحسن أن نسأل عنه، ثم قال لحاتم، نبدأ بتأديتها.
فقال لهم: تقوم بالأمر، وتقف بالاحتساب، وتدخل بالسنة، وتكبر بالتعظيم، وتقرأ بالترتيل، وتركع بالخشوع، وتسجد بالخضوع، وترفع بالسنة، وتشهد بالإخلاص، وتسلم بالرحمة.
قال عاصم: هذه التأدية فما المعرفة؟