قالوا له: وكيف ذلك؟

قال. يكون أحدهما مقبلاً على الله بقلبه، والآخر ساهٍ غافلٌ في صلاته.

فأين نحن من هؤلاء الصالحين، فما عملنا إلا كالسراب، وقلوبنا من التقوى خراب، وذنوبنا عدد الرمال والتراب، ثم نطمع بعد ذلك في الكواعب والأتراب، هيهات هيهات لنا، فنحن قوم سكارى بغير شراب.

وعن عبد الله بن شداد قال: سمعت عمر يقرأ في صلاة الصبح سورة يوسف، فسمعت نشيجه وإني لفي آخر الصفوف، وهو يقرأ قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86].

وقال ابن عمر: صليت خلف عمر فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوف، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء.

وزار القيرواني أبا جعفر القمودي فوجده يصلي، فأطال أبو جعفر صلاته، وأطال القيرواني القعود، وهو منتظر له، فلما انتهى من صلاته قال له القيرواني: يا أبا جعفر، بأقل من هذا التعب وهذا التكلف تصل إلى المقصود وتدرك المطلوب إن شاء الله.

فقال له أبو جعفر يا مسكين لو ذقت حلاوة "الله أكبر" ولذتها لما لمت من التعب من الاستكثار منها.

يقول رجل لحممة العابد -وكان من خيار- عباد الله الصالحين في عصر التابعين-:

ما أفضل عملك الذي ترجوه عند ربك؟

قال: ما أتتني صلاة قط إلا وأنا مستعد لها ومشتاق إليها، وما انصرفت من صلاة قط إلا كنت إذا انصرفت منها أشوق إليها من حيث كنت فيها، ولولا أن الله أنزل الفرائض متقطعة بين الأوقات لأحببت أن أكون ليلي ونهاري ساجدًا راكعًا لله.

أيها المصلي طهر سرك قبل الطهور، وفتش على قلبك قبل الشروع، حضور القلب أول منزل، فإذا نزلته انتقلت إلى بادية العمل، فإذا انتقلت عنها أنخت بباب المناجي، وأول قري ضيف اليقظة كشف الحجاب لعين القلب، وكيف يطمع في دخول مكة منقطع قبل الكوفة، همك في الصلاة متشبث، وقلبك بمساكنة الهوى متلوث، ومن كان متلطخًا بالأقذار لا يغلف،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015