يقول سيد قطب: إنها سنة العقائد والدعوات، لابد من بلاء ولابد من أذى في الأموال والأنفس، ولابد من صبر ومقاومة واعتزام.
إنه الطريق إلى الجنة، وقد حفت الجنة بالمكاره. بينما حفت النار بالشهوات. ثم إنه هو الطريق الذي لا طريق غيره، لإنشاء الجماعة التي تحمل هذه الدعوة، وتنهض بتكاليفها. طريق التربية لهذه الجماعة، وإخراج مكنوناتها من الخير والقوة والاحتمال. وهو طريق المزاولة العملية للتكاليف، والمعرفة الواقعية لحقيقة الناس وحقيقة الحياة.
ذلك ليثبت على هذه الدعوة أصلب أصحابها عودًا فهؤلاء هم الذين يصلحون لحملها إذن والصبر عليها، فهم عليها مؤتمنون.
وذلك لكي تعز هذه الدعوة عليهم وتغلو، بقدر ما يصيبهم في سبيلها من عنت وبلاء، وبقدر ما يضحون في سبيلها من عزيز وغال. فلا يفرطوا فيها بعد ذلك، مهما تكن الأحوال.
وذلك لكي يصلب عود الدعوة والدعاة، فالمقاومة هي التي تستثير القوى الكامنة، وتنميها وتجمعها وتوجهها، والدعوة الجديدة في حاجة إلى استثارة هذة القوى، لتتأصل جذورها وتتعمق، وتتصل بالتربة الخصبة الغنية في أعماق الفطرة.
وذلك لكي يعرف أصحاب الدعوة حقيقتهم هم أنفسهم، وهم يزاولون الحياة والجهاد مزاولة عملية واقعية ويعرفوا حقيقة النفس البشرية وخباياها، وحقيقة الجماعات والمجتمعات، وهم يرون كيف تصطرع مباديء دعوتهم، مع الشهوات في أنفسهم وفي أنفس الناس، ويعرفون مداخل الشيطان إلى هذه النفوس، ومزالق الطريق، ومسارب الضلال!
ثم لكي يشعر المعارضون لها في النهاية أنه لابد فيها من خير، ولابد فيها من سر، يجعل أصحابها يلاقون في سبيلها ما يلاقون وهم صامدون، فعندئذ قد ينقلب المعارضون لها إليها أفواجًا في نهاية المطاف!
إنها سنة الدعوات، وما يصبر على ما فيها من مشقة، ويحافظ في ثنايا الصراع المرير على تقوى الله، فلا يشط فيعتدي وهو يرد الاعتداء، ولا ييأس من رحمة الله ويقطع أمله في نصره وهو يعاني الشدائد .. ما يصبر على ذلك كله إلا أولو العزم الأقوياء.