أنكتب هذا يا رسول الله؟ قال: "نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجًا وخرجًا" رواه مسلم.
وفي الصحيحين أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ألست نبي الله حقًا؟ قال: "بلى"، قلت: ألست على حق وعدونا على باطل؟ قال: "بلى"، قلت: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى"، قلت: ففيم نعطي الدنية في ديننا إذن؟! قال: "إني رسول الله ولست، أعصيه وهو ناصري"، قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف فيه؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ " قلت: لا. قال: "فإنك آتيه ومطوف به"، فلم يصبر عمر بن الخطاب حتى أتى أبا بكر فسأله مثل ما سأل النبي فقال له: يا ابن الخطاب، إنه رسول الله ولن يعصي ربه ولن يضيعه الله أبدًا .. فما هو إلا أن نزلت سورة الفتح على رسول الله فأرسل إلى عمر فأقرأه إياها، فقال: يا رسول الله أوفتح هو؟ قال: "نعم"، فطابت نفسه [البخاري ومسلم].
لقد كانت بنود الصلح في ظاهرها، وكما ينظر الإنسان بعقله القاصر كأنها في مصلحة المشركين، ولا تحقق مصلحة للمسلمين، ولكنها في حقيقتها وآثارها كانت في مصلحة المسلمين، يقول سيد قطب: كان فتحًا في الدعوة، يقول الزهري: فما فتحٌ في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضًا، والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلم أحد في الاسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تلك السنين (بين صلح الحديبية وفتح مكة)، مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام: والدليل على قول الزهري أن رسول الله خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة في قول جابر بن عبد الله، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف، وكان ممن أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
وكان فتحًا في الأرض، فقد أمن المسلمون شر قريش، فاتجه رسول الله إلى تخليص الجزيرة من بقايا الخطر اليهودي بعد التخلص من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وكان هذا الخطر يتمثل في حصون خيبر القوية التي تهدد طريق الشام، وقد فتحها الله على المسلمين، وغنموا منها غنائم ضخمة جعلها الرسول فيمن حضر الحديبية دون سواهم.
وكان فتحًا في الموقف بين المسلمين في المدينة وقريش في مكة وسائر المشركين حولها،