فلقد اعترفت قريش بالنبي والإسلام وقوتهما وكيانهما، واعتبرت النبي والمسلمين أندادًا لها، بل دفعتهم عنها بالتي هي أحسن (?).
قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره.
فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة.
والشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته، وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع.
والعالم الذي قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح.
وولي الأمر الذي قد نصبه الله للحكم بين عباده جلوسه ساعة للنظر في المظالم وإنصاف المظلوم من الظالم وإقامة الحدود ونصر المحق وقمع المبطل، أفضل من عبادة سنين من غيره.
ومن غلبت عليه شهوة النساء فصومه أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته.
وتأمل تولية النبي لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله وترك تولية أبي ذر بل قال له: "إني أراك ضعيفًا وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تؤمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" وأمره وغيره بالصيام وقال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له" رواه أحمد، وأمر آخر بأن "لا تغضب" وأمر ثالثًا "بأن لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله". ومتى أراد الله بالعبد كمالاً وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له كالمريض الذي يشكو وجع البطن مثلاً إذا استعمل دواء ذلك الداء انتفع به وإذا استعمل دواء وجع الرأس لم يصادف داءه، فالشح المطاع مثلاً من المهلكات ولا يزيله صيام مائة عام ولا قيام ليلها وكذلك داء اتباع الهوى والإعجاب بالنفس لا يلائمه كثرة قراءة القرآن واستفراغ الوسع