وداعة؟ فقلت: توفيت زوجتي، فاشتغلت بأمرها، فقال: هلا أخبرتنا يا أبا وداعة فأواسيك، ونشهد جنازتها معك، ونعينك على ما أنت فيه، فقلت: جزاك الله خيرًا، وهممت أن أقوم، فاستبقاني حتى انصرف جميع من كان في المجلس، ثم قال لي: أما فكرت في استحداث زوج لك يا أبا وداعة؟ فقلت له يرحمك الله، ومن يزوجني ابنته وأنا شاب نشأ يتيمًا، وعاش فقيرًا، أنا لا أملك غير درهمين، أو ثلاثة دراهم، فقال: أنا أزوجك ابنتي، فانعقد لساني وقلت: أنت؟! أتزوجني ابنتك بعد أن عرفت من أمري ما عرفت؟! فقال: نعم، فنحن إذا جاءنا من نرضى دينه وخلقه زوجناه، وأنت عندي مرضي الدين والخلق، ثم التفت إلى من كان قريبًا منا، وناداهم، فلما أقبلوا عليه وصاروا عنده، حمد الله عز وجل وأثنى عليه، وصلى على نبيه محمد وعقد لي على ابنته، فقمت وأنا لا أدري ما أقول من الدهشة والفرج، ثم قصدت بيتي، وكنت يومئذ صائمًا، فنسيت صومي وجعلت أقول: ويحك يا أبا وداعة، ما الذي صنعت بنفسك؟! ممن تستدين؟! وممن تطلب المال؟! وظللت على حالي هذه حتى أُذن للمغرب، فأديت المكتوبة، وجلست إلى فطوري، وكان خبزًا وزيتًا، فما أن تناولت منه لقمة أو لقمتين حتى سمعت الباب يقرع، فقلت: من الطارق؟ فقال: سعيد، فوالله لقد مر بخاطري كل إنسان اسمه سعيد أعرفه إلا سعيد بن المسيب، ذلك لأنه لم ير منذ أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، ففتحت الباب، فإذا بي أمام سعيد بن المسيب، فظننت أنه قد بدا له في أمر زواجي من ابنته شيء، وقلت له: يا أبا محمد؟! هلا أرسلت إلينا فآتيك، فقال: بل أنت أحق بأن آتي إليك اليوم، فقلت: تفضل علي، فقال: كلا، وإنما جئت لأمر، فقلت: وما هو يرحمك الله؟ فقال: إن ابنتي أصبحت زوج لك بشرع الله منذ الضحى، وأنا أعلم أنه ليس معك أحد يؤنس وحشتك، فكرهت أن تبيت أنت في مكان وزوجتك في مكان آخر، فجئتك بها، فقلت: ويحي جئتني بها؟! فقال: نعم، فنظرت، فإذا هي قائمة بطولها، فالتفت إليها وقال: ادخلي إلى بيت زوجك يا بنتي على اسم الله وبركته، فلما أرادت أن تخطو، تعثرت بثوبها من الحياء حتى كادت تسقط على الأرض، أما أنا فقد وقفت أمامها ذاهلاً لا أدري ما أقول، ثم إني بادرت فسبقتها إلى القصعة التي فيها الخبز والزيت، فنحيتها من ضوء السراج حتى لا تراها، ثم صعدت إلى السطح وناديت الجيران، فأقبلوا علي وقالوا: ما شأنك؟ فقلت: عقد لي سعيد بن المسيب على ابنته اليوم في المسجد، وقد جاءني بها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015