يفعله رسول الله؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتتبع القرآن فاجمعه، قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
وهكذا كان الصحابة يجتهدون في جو من الهدوء والشورى يسوده الود والاحترام، هدفهم الوصول إلى ما يحقق المصلحة العامة لجماعة المسلمين، وأنهم كانوا ينقادون إلى الرأي الصحيح، وتنشرح قلوبهم له بعد الإقناع والاقتناع، فإذا تشاوروا واقتنعوا دافعوا عنه كما لو كان رأيهم منذ البداية.
جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فقالا: يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعنا لعلنا نحرثها أو نزرعها، لعل الله أن ينفع بها بعد اليوم، فقال أبو بكر لمن حوله: ما تقولون فيما قالا، إن كانت أرضا سبخة لا ينتفع بها؟
قالوا: نرى أن تقطعهما إياها، لعل الله ينفع بها بعد اليوم، فأقطعهما إياها، وكتب لهما بذلك كتابا، وأشهد عمر -وليس في القوم- فانطلقا إلى عمر يشهدانه، فوجداه يهنأ بعيرا له (يطليه بالهناء أي القطران) فقالا: إن أبا بكر أشهدك على ما في الكتاب فنقرأ عليك أو تقرأ؟
فقال: أنا على الحال الذي تريان، فإن شئتما فاقرأ وإن شئتما فانظرا حتى أفرغ، فاقرأ عليكما، قالا: بل نقرأ، فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل عليه فمحاه، فتذمرا، وقالا مقالة سيئة فقال: إن رسول الله كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله قد أعز الإسلام، فاذهبا فأجهدا جهدكما، لا رعى الله عليكما إن رعيتما.
فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران فقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟
فقال: لا بل هو لو شاء، فجاء عمر وهو مغضب، فوقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين أرض هي لك خاصة أم للمسلمين عامة؟
قال: بل للمسلمين عامة.
قال: فما حملك أن تخص بها هذين دون جماعة المسلمين؟ قال: استشرت هؤلاء