الذين حولي فأشاروا علي بذلك.
قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك، فكل المسلمين أوسعتهم مشورة ورضا.
فقال أبو بكر: قد كنت قلت لك إنك على هذا أقوى مني، ولكن غلبتني.
هذه الواقعة دليل لا يقبل الشك أن حكم الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين كان يقوم على الشورى، فهي تظهر لنا خليفة رسول الله حريصا على استشارة المسلمين في الصغيرة والكبيرة، وما كان ليبرم أمرا دون مشورة إخوانه.
لما اشتد المرض بأبي بكر جمع الناس إليه فقال: إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أظنني إلا ميتًا لما بي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمرتم في حياتي كان أجدر ألا تختلفوا بعدي، وتشاور الصحابة -رضي الله عنهم- وكل يحاول أن يدفع الأمر عن نفسه ويطلبه لأخيه إذ يرى فيه الصلاح والأهلية، لذا رجعوا إليه، فقالوا: رأينا يا خليفة رسول الله رأيك، قال: فأمهلوني حتى أنظر لله، لدينه، ولعباده، فدعا أبو بكر عبد الرحمن بن عوف فقال له: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال: هو -والله- أفضل، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب فقال: أنت أخبر به، فقال: على ذلك يا أبا عبد الله، فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، ثم دعا أسيد بن حضير فقال له مثل ذلك، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك؟ يرضى للرضا، ويسخط للسخط، والذي يسر خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه .. وكذلك استشار سعيد بن زيد وعددا من الأنصار والمهاجرين، وكلهم تقريبا كانوا برأي واحد في عمر إلا طلحة بن عبيد الله خاف من شدته فقال لأبي بكر: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوفونني؟! خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك. وبين لهم سبب غلظة عمر وشدته، فقال: ذلك لأنه يراني رقيقا ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما عليه. ثم كتب عهدا مكتوبا يقرأ على الناس في المدينة وفي الأمصار عن طريق أمراء الأجناد.
إنها صورة للشورى الحقيقية المنضبطة مع أوامر الله، مع الحلال والحرام، لا الشورى