فذهب فنحاص إلى رسول الله فقال: يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله لأبي بكر: "ما حملك على ما صنعت؟ ".
فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولا عظيما، إنه يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، وضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص، وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردا عليه، وتصديقا لأبي بكر: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181].
ونزل في أبي بكر الصديق وما بلغه في ذلك من الغضب قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186] (?).
يوم تسلط الاستعمار الإنجليزي على مصر، وطأطأ الكثيرون رءوسهم وقف علماء الأزهر يشمخون برءوسهم استعلاء أمام جبروت المستعمر.
وأراد اللورد (كرومر) -جبار مصر وحاكمها آنذاك- أن يستعطف علماء الأزهر، عسى أن يخففوا من معارضتهم للاستعمار، فجمع من حوله بعض المارقين من المتعاونين معه، ومضى بهم يريد زيارة العالم المؤمن الشيخ الإنباني، شيخ الجامع الأزهر يوم ذاك، وعندما دخل كرومر على الشيخ، وجده جالسا فانتظر اللورد كرومر قليلا، عسى أن يقف العالم المؤمن لاستقباله، لكنه لم يفعل فتقدم كرومر من الشيخ مادًّا يده للسلام عليه، وهو يحسب أن الشيخ سيضطر للوقوف له لرد السلام عليه، لكن الشيخ المؤمن بقى جالسا، ومد يده باستخفاف يرد على الجبار الإنجليزي تحيته، فثارت ثائرة كرومر وكاد يأمر بالفتك بالعالم المؤمن الذي تحدى سلطانه وجبروته، لكنه سرعان ما أدرك أن أي إساءة للشيخ -وهو رمز الأزهر كله- ستفتح عليه أبوابًا جديدة من المتاعب لا قبل له بها، فتصنع الهدوء وانحنى أمام العالم المؤمن يسأله بمودة مصطنعة: ألست تقف للخديوي إذا دخل عليك، أيها الشيخ الجليل؟