وكان أبو حنيفة يتضايق من أذى جاره، ولا يستطيع أن يقوم الليل ويصلي بسبب صوت جاره وغنائه، ورغم ذلك كله، فقد كان صابرا عليه.
وذات يوم كان رجال الشرطة يمرون فسمعوا صوت هذا الجار، فأخذوه ووضعوه في الحبس، فلم يسمع أبو حنيفة صوت جاره كالعادة، فسأل عنه فقيل له: إن الشرطة قد حبسته فأسرع أبو حنيفة في الصباح إلى بيت الحاكم عيسى بن موسى، واستأذن في الدخول عليه، وقال له: أصلح الله الأمير، جار لي أخذه عسس الأمير (الشرطة) ليلة كذا، فوقع في حبسك، سمع عيسى بن موسى شفاعة أبي حنيفة لجاره، فأمر بإطلاق سراح ذلك الجار إكراما لأبي حنيفة، فخرج الجار من السجن، وشكر أبا حنيفة، فقال له أبو حنيفة: هل أضعناك يا فتى؟
فقال الجار: لا والله، ولم يعد مرة ثانية إلى اللهو والغناء، وكف عن إزعاج جيرانه.
كان لعبد الله بن المبارك جار فقير، اضطرته ظروف الحياة أن يبيع داره، فقيل له: بكم تبيع؟
فقال الرجل: بألفين.
فقيل له: هي لا تساوي إلا ألفا.
فقال الرجل: صدقتم، ولكني أريد ألفا للدار، وألفا لجوار عبد الله بن المبارك. ولما علم عبد الله بن المبارك بذلك، أرسل إليه، وأعطاه ثمن الدار، وقال له: ابق فيها ولا تبعها.
والرحمة بالجار تكون بكف الأذى وتحمل أذاه، وملاحظة داره في غيبته، والتلطف مع أولاده، وعدم النظر إلى أهله، ومساعدته إن كان محتاجا، وعدم إلقاء القمامة أمام بابه -أو من الشباك عليه- وعدم إزعاجه باللعب أو برفع صوت المذياع، ومشاركته في الأفراح والأحزان، وإعارته الأطباق والملح والزيت والسكر وغيرها، وملء الماء له إن كانت المياه لا تصل إليه.
جاء أن رجلا من النساك كان كل يوم يقبل قدم أمه فأبطأ يوما على إخوانه فسألوه