الإسلام، وترعاهم، وتأخذ من القادرين منهم مبلغا زهيدا (الجزية) نظير ما يقدم لهم من خدمة ورعاية، ولما علم أمير المؤمنين بأمر الرجل رق له، وشعر بالرحمة والشفقة نحوه، وقال: ما أنصفناك! أخذنا منك الجزية في شبيبتك (شبابك) ثم ضيعناك في كبرك، وأصدر أوامره بإسقاط الجزية عن الرجل، وأمر أن يصرف له مبلغ شهري من المال يكفي لقضاء حوائجه، فانصرف الرجل وهو سعيد برحمة المسلمين به.
وذات يوم كان صلاح الدين يتفقد أحوال جنده فرأى امرأة من الصليبيين تبكي وتضرب على صدرها فسألها عن قصتها، فقالت: دخل المسلمون في خيمتي وأخذوا ابنتي الصغيرة، فنصحني الناس أن أذهب إليك، وقالوا: إن السلطان صلاح الدين رجل رحيم، فدمعت عينا صلاح الدين، وأمر أحد الجنود أن يبحث عن الصغيرة وعمن اشتراها، ويدفع له ثمنها ويحضرها، فما مضت ساعة حتى وصل الفارس والصغيرة على كتفه، ففرحت الأم فرحا شديدا وشكرت صلاح الدين على مروءته وحسن صنيعه (?).
أراد رجل أن يحج فأعطاه خاله عشرة آلاف درهم، وقال له: إذا قدمت المدينة فابحث عن أفقر بيت فأعط أهله هذا المبلغ، فلما وصل الرجل إلى المدينة سأل عن أفقر بيت فدلوه على بيت فذهب إليه، وطرق الباب، فأجابته امرأة، وقالت له: من أنت؟ فقال: أنا رجل من أهل بغداد، معي أمانة وأمرت أن أسلمها إلى أفقر أهل بيت بالمدينة، وقد دلوني عليكم، فخذوها، فقالت المرأة: إن جيراننا أفقر منا فادفعها إليهم، فذهب إلى البيت الجاور، فأجابته امرأة فذكر لها القصة، فقالت: نحن وإياهم في الفقر سواء فاقسمها بيننا وبينهم، فقسم الرجل المبلغ بين الجارين.
حتى ولو كان الجار مؤذيا نكون رحماء به.
كان للإمام أبي حنيفة النعمان جار يلهو ويغني طول الليل يزعج جيرانه ويقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر