وقال إبراهيم التيمي: إن الرجل ليظلمني فأرحمه. وهذا إحسان وراء العفو لأنه يشغل قلبه لمعصية الله تعالى بالظلم وأنه يطالب يوم القيامة فلا يكون له جواب.
وقال بعضهم: إذا أراد الله أن يتحف عبدا قيض له من يظلمه.
ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فجعل يشكو إليه رجلا ظلمه ويقع فيه، فقال له عمر: إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه اقتصصتها.
يقول تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134].
يقول سيد قطب: "وكظم الغيظ هو المرحلة الأولى، وهي وحدها لا تكفي، فقد يكظم الإنسان غيظه ليحقد ويضغن، فيتحول الغيظ الفائر إلى إحنة غائرة، ويتحول الغضب الظاهر إلى حقد دفين، وإن الغيظ والغضب لأنظف وأطهر من الحقد والضغن، لذلك يستمر النص ليقرر النهاية الطليق لذلك الغيظ الكظيم في نفوس المتقين؛ إنها العفو والسماحة والانطلاق.
إن الغيظ وقر في النفس حين تكظمه، وشاظ يلفح القلب، ودخان يغشى الضمير .. فأما حين تصفح النفس ويعفو القلب، فهو الانطلاق من ذلك الوقر، والرفرفة في آفاق النور، والبرد في القلب، والسلام في الضمير" (?).
يقول ابن القيم: العفو إسقاط حقك جودا وكرما وإحسانا مع قدرتك على الانتقام، فتؤثر الترك رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق، بخلاف الذل فإن صاحبه يترك الانتقام عجزا وخوفا ومهانة نفس، فهذا مذموم غير محمود، ولعل المنتقم بالحق أحسن حالا منه.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] فمدحهم بقوتهم على الانتصار لنفوسهم وتقاضيهم منها ذلك، حتى إذا قدروا على من بغى عليهم، تمكنوا من استيفاء ما لهم عليه ندبهم إلى الخلق الشريف من العفو والصفح، فقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40].