شعيب فأعطاه الفصاحة في خطبته، وإلى يوسف فأراه البرهان في همته، وإلى موسى فخطر في مكالمته، وإلى داود فألان الحديد له على حدته، وإلى سليمان فراحت الريح في مملكته، وإلى أيوب فيا طوبى لركضته، وإلى يونس فسمع نداه في ظلمته، وإلى زكريا فقرن سؤاله ببشارته، وإلى عيسى فكم أقام ميتًا في حفرته.

لا يتنافي مع الصبر

الشكوى إلى الله عز وجل لا تنافي الصبر، فإن يعقوب عليه السلام وعد بالصبر الجميل، والنبي إذا وعد لا يخلف وقال: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] وكذلك أيوب أخبر الله عنه: أنه وجده صابرًا مع قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، إنما ينافي الصبر شكوى الله، لا الشكوى إلى الله، كما رأى بعضهم رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة، فقال: يا هذا تشكو من يرحمك؟

وإذا عرتك بلية فاصبر لها ... صبر الكريم فإنه بكم أعلم

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

أخاطبك على قدر عقلك

يحكي عن امرأة من العابدات أنها عثرت فانقطعت إصبعها فضحكت، فقال لها

بعض من معها: أتضحكين، وقد انقطعت إصبعك؟ قالت: أخاطبك على قدر عقلك،

حلاوة أجرها أنستني مرارة ذكرها.

لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... فقد سرني أني خطرت ببالكا

الصبر مفتاح الفرج

ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعًا وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكنت أظنها لا تفرج

فالصبر ضرورة دنيوية كما أنه ضرورة دينية، فلا نجاح في الدنيا، ولا فلاح في الآخرة إلا بالصبر، لولا صبر الزارع على بذره ما حصد، ولولا صبر الغارس على غرسه ما مضى، ولولا صبر الطالب على درسه ما تخرج، ولولا صبر المقاتل في ساحة الوغى ما انتصر، وهكذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015