أحجم الناس عنه، واتبع المجالس التي كان يجلسها بالكفر فأظهر فيها الإيمان، وما زال يقاتلهم حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، وفتر عمر وجلس، فقاموا على رأسه فقال: افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاثمائة رجل لتركتموها لنا، أو تركناها لكم، فبينما هم كذلك إذ جاءه رجل عليه حلة حرير وقميص، قال: ما بالكم؟ قالوا: ابن الخطاب قد صبأ، قال: فمه؟ امرؤ اختار دينًا لنفسه، أتظنون أن بني عدي يسلمون إليكم صاحبكم، فكأنما كانوا ثوبًا انكشف عنه، فقلت له بالمدينة: يا أبت من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ؟ قال: يا بني، ذاك العاص بن وائل السهمي (?).

الدعاة اليوم هم طلائع النور في أمة طال عليها الليل، وبوادر اليقظة في أمة تأخر عنها النور، وأمل العالم في عصر أجدبت فيه الدنيا من رسل الرحمة واليقين، فلا يجوز لمسلم أن يبخل بوقته أو جهده لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، أو ولد يرجو له مستقبلاً يفخر به، أو يورثه الطريق، يكون له دعوة صالحة بعد فراقه لهذه الدنيا الفانية؟

موقف بطولي

في موقعة القادسية أسرع القعقاع بن عمرو - رضي الله عنه - حتى قدم بهم على جيش القادسية صبيحة يوم أغواث، وكان أثناء قدومه قد فكر بعمل يرفع به معنويات المسلمين، فقسم جيشه إلى مائة قسم، كل قسم مكون من عشرة، وأمرهم بأن يقدموا تباعًا كلما غاب منهم عشرة عن مدى إدراك البصر، سرحوا خلفهم عشرة، فقدم هو في العشرة الأوائل وصاروا يقدمون تباعًا كلما سرح القعقاع بصره في الأفق فأبصر طائفة منهم كبر فكبر المسلمون، ونشطوا في قتال أعدائهم، وهذه خطة حربية ناجحة لرفع معنويات المقاتلين، فإن وصول ألف لا يعني مددًا كبيرًا لجيش يبلغ ثلاثين ألف، ولكن هذا الابتكار الذي هدى الله القعقاع إليه قد عوض نقص هذا المدد بما قوي من عزيمة المسلمين، وقد بشرهم بقدوم الجنود بقوله: يأيها الناس قد جئتكم في قوم، والله أن لو كانوا بمكانكم حسدوكم، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم، فاصنعوا كما أصنع، فتقدم ثم نادى: من يبارز؟ فقالوا فيه بقول أبي بكر: لا يهزم جيش فيهم مثل هذا وسكنوا إليه، فخرج إليه ذو الحاجب (قائد من قادة الفرس) فقال له القعقاع: من أنت؟ فقال: أنا بهمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015