النهاية يفوض أمره إلى الله البصير بعباده، وهذه هي الإيجابية، الإعلان عن كلمة الحق في وقتها.
يقول سيد قطب: فالتبعة فردية، والحساب شخصي، وكل نفس مسئولة عن نفسها، ولا تغني نفس عن نفس شيئًا، وهذا هو المبدأ الإسلامي العظيم، مبدأ التبعة الفردية القائمة على الإرادة والتمييز من الإنسان، وعلى العدل المطلق من الله، هو أقوم المباديء التي تشعر الإنسان بكرامته، والتي تستجيش اليقظة الدائمة في ضميره، وكلاهما عامل من عوامل التربية، فوق أنه قيمة إنسانية تضاف إلى رصيده من القيم التي يكرمه بها الإسلام (?).
دخل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق، إن متم وإن حييتم، قال: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن -وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - (على ما يبدو) قد رأى أنه آن الأوان للإعلان، وأن الدعوة قد غدت قوية تستطيع أن تدفع عن نفسها- فأذن بالإعلان، وخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صفين، عمر فى أحدهما، وحمزة في الآخر، ولهم كديد ككديد الطحين، حتى دخل المسجد، فنظرت قريش إلى عمر وحمزة. فأصابتهم كآبة لم تصبهم قط، وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ الفاروق. قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: لما أسلم عمر بن الخطاب لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أنقل للحديث؟ قيل له: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره، وأنظر ما يفعل، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت وسمعت، فأتاه فقال: يا جميل إني قد أسلمت، فوالله ما رد عليه كلمة حتى قام يجر رداءه، وتبعه عمر واتبعت أبي، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش -وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ، وعمر يقول من خلفه: كذبت ولكنني أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فثاروا إليه، فوثب عمر على عتبة بن ربيعة، فبرك عليه وجعل يضربه، وأدخل إصبعيه في عينيه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فقام عمر يجعل لا يدنو أحد إلا أخذ شريف من دنا منه، حتى