قلت: ومن فضل الله سبحانه على كثيرِ من العلماء تحليتهم بالفهم، والفقه في الدين، وشهرتهم بذلك بين الناس، حتى قيل في منثور الكلام: أنت ملك نفسك ما لم تُعرف، فإذا عُرفت أصبحتَ مِلكًا للناس.

قال الآجري -رحمه الله-: "فإذا نَشَر الله له الذِّكرَ عند المؤمنين أنه من أهل العلم، واحتاج الناسُ إلى ما عنده من العلم، ألزم نفسَه التواضعَ للعالِم وغير العالم، فأما تواضعُه لمَن هو مثلُه في العلم فإنها محبة تنبت له في قلوبهم، وأحبُّوا قُربَه، وإذا غاب عنهم حَنَّت إليه قلوبهم، وأمَّا تواضعُه للعلماء فواجب عليه؛ إذ أراه العلمَ ذلك، وأما تواضعُه لمَن هو دونَه في العلم فشَرَفُ العلمِ له عند الله وعند أولي الألباب، وكان من صفته في علمه وصِدقه وحُسنِ إرادته، يريد الله بعلمه" (?).

وقال الإمام الآجري -رحمه الله-: "فإذا أحبَّ مجالسةَ العلماء جالسهم بأدب، وتواضع في نفسه، وخَفَض صوتَه عند صوتهم، وساءلهم بخضوع، ويكون أكثرُ سؤاله عن علمِ ما تعبده الله به، ويخبرهم أنه فقير إلى علم ما يُسأل عنه، فإذا استفاد منهم علمًا أعلمهم أني قد أَفَدتُ خيرًا كثيرًا، ثم شكرهم على ذلك، وإن غضبوا عليه لم يَغضَب عليهم، ونظر إلى السبب الذي من أجله غضبوا عليه فرجعَ عنه واعتذر إليهم، لا يُضجرهم في السؤال، رفيق في جميع أموره، لا يناظرُهم مناظرةَ من يُريهم أني أعلمُ منكم، وإنما هِمتهُ البحثُ لطلب الفائدة منهم، مع حُسنِ التلطف لهم، لا يُجادل العلماء، ولا يُماري السفهاءَ، يُحسنُ التأني للعلماء مع توقيره لهم؛ حتى يتعلمَ ما يزداد به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015