وكثيرًا ما يُداخلهم الإعجَابُ لتوحدهم بفضيلة العلم، ولو أَنهم نظرُوا حقّ النظرِ، وعملُوا بمُوجب العلم، لكَان التواضعُ بهم أَولى، ومُجانبةُ العُجبِ بهم أَحرى؛ لأن العُجب نقص يُنافي الفضل.
قال بعضُ السلف: من تكبر بعلمه وترفع، وضعهُ اللهُ به، ومن تواضع بعلمه، رفعهُ به. وعلَّةُ إعجابهم انصرافُ نظرهم إلى كثرة من دُونهم من الجُهَّال، وانصرافُ نظرهم عمن فوقهم من العُلماء؛ فإنه ليس مُتناهِ في العلم إلا وسيجدُ من هو أَعلمُ منه؛ إذ العلم أكثر من أَن يُحيط به بشر؛ قال اللهُ تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 76] يعني في العلم: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] قال أَهلُ التأويل: فوق كُل ذي علمٍ من هو أعلم مِنهُ، حتى ينتهيَ ذلك إلى الله تعالى.
فينبغي لمن علم أَن ينظر إلى نفسه بتقصير ما قصر فيه ليسلم من عجب ما أدرك منه.
وقلَّما تجد بالعلم مُعجبًا، وبما أَدرك مُفتخرًا، إلا من كان فيه مقلًا ومقَصرًا؛ لأنهُ قد يجهلُ قدره، ويحسبُ أَنه نال بالدخول فيه أَكثره، فأما من كان فيه متوجهًا، ومِنه مستكثِرًا، فهو يعلم من بعد غايته، والعجز عن إدراك نهايته، ما يَصده عن العجب به.
وقد قال الشعبيّ: العلمُ ثلاثةُ أَشبارٍ فمن نال منهُ شبرًا شمخ بأنفه وظن أَنه نالهُ. ومن نال الشبرَ الثانيَ صغرت إليهِ نفسهُ وعلِمَ أَنه لم ينله، وأَما الشبر الثالثُ فهيهَات لا يناله أَحدٌ أبداَ" (?).