الكبر صفة سيئة لها أسباب عدة تدفع الشخص إلى الاتصاف بها, ولعل مرجع هذه الأسباب كلها اعتقاد الكمال, أيَّن كان هذا الكمال ومهما كان نوعه قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: (وفي الجملة فكل ما يمكن أن يعتقد كمالاً وإن لم يكن كمالاً أمكن أن يتكبر به, حتى الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمر والفجور لظنه أن ذلك كمال) (?).
بيان البواعث على التكبر وأسبابه المهيجة له:
الكبر الظاهر أسبابه ثلاثة:
1. سبب في المتكبر: وهو العجب فهو يورث الكبر الباطن والكبر يثمر التكبر الظاهر في الأعمال والأقوال والأحوال.
2. وسبب في المتكبر عليه: وهو الحقد والحسد: فأما الحقد فإنه يحمل على التكبر من غير عجب كالذي يتكبر على من يرى أنه مثله أو فوقه ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه فأورثه الغضب حقدا ورسخ في قلبه بغضه فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له وإن كان عنده مستحقا للتواضع فكم من رذل لا تطاوعه نفسه على التواضع لواحد من الأكابر لحقده عليه أو بغضه له ويحمله ذلك على رد الحق إذا جاء من جهته وعلى الأنفة من قبول نصحه وعلى أن يجتهد في التقدم عليه وإن علم أنه لا يستحق ذلك وعلى أن لا يستحله وإن ظلمه فلا يعتذر إليه وإن جنى عليه ولا يسأله عما هو جاهل به.
وأما الحسد فإنه أيضاً يوجب البغض للمحسود وإن لم يكن من جهته إيذاء وسبب يقتضي الغضب والحقد, ويدعو الحسد أيضا إلى جحد الحق حتى يمنع من قبول النصيحة وتعلم العلم فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في رذيلة الجهل لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده أو أقاربه حسدا وبغيا عليه فهو يعرض عنه ويتكبر عليه مع معرفته بأنه يستحق التواضع بفضل علمه ولكن الحسد يبعثه على أن يعامله بأخلاق المتكبرين وإن كان في باطنه ليس يرى نفسه فوقه.
3. وسبب فيما يتعلق بغيرهما: وهو الرياء, فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى إن الرجل ليناظر من يعلم أنه أفضل منه وليس بينه وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد ولكن يمتنع من قبول الحق منه ولا يتواضع له في الاستفادة خيفة من أن يقول الناس إنه أفضل منه فيكون باعثه على التكبر عليه الرياء المجرد ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبر عليه.
وأما الذي يتكبر بالعجب أو الحسد أو الحقد فإنه يتكبر أيضاً عند الخلوة به مهما لم يكن معهما ثالث وكذلك قد ينتمي إلى نسب شريف كاذباً وهو يعلم أنه كاذب ثم يتكبر به على من ليس ينتسب إلى ذلك النسب ويترفع عليه في المجالس ويتقدم عليه في الطريق ولا يرضى بمساواته في الكرامة والتوقير وهو عالم باطنا بأنه لا يستحق ذلك ولا كبر في باطنه لمعرفته بأنه كاذب في دعوى النسب ولكن يحمله الرياء على أفعال المتكبرين وكأن اسم المتكبر إنما يطلق في الأكثر على من يفعل هذه الأفعال عن كبر في الباطن صادر عن العجب والنظر إلى الغير بعين الاحتقار وهو إن سمي متكبرا فلأجل التشبه بأفعال الكبر
فتصير الأسباب بهذا الاعتبار أربعة العجب والحقد والحسد والرياء (?)