إن موضوع حجاب المرأة وسفورها، أمر لا علاقة له بالأخلاق من حيث ذاته، إنما هو في حدوده الشرعية حكم ديني يهدف إلى تحقيق مصالح دينية واجتماعية يقصدها الشارع، فإدخالهم هذا الحكم في موضوع الأخلاق جزء من عناصر المغالطة أو من عناصر الغلط إذا حسنا الظن.

وكذلك موضوع الأطعمة والأشربة، فهو غير ذي علاقة بالأخلاق، وأحكام الأطعمة والأشربة أحكام دينية تهدف إلى تحقيق مصالح دينية وصحية يقصدها الشارع، فإدخالهم هذه الأحكام في موضوع الأخلاق جزء من عناصر المغالطة، أو من عناصر الغلط إذا حسنا الظن.

ونظير ذلك سائر الأمثلة التي أوردوها لنقض ثبات الأخلاق، إنها أمثلة من العادات والتقاليد الاجتماعية، أو من الظواهر الجمالية الأدبية، أو من الأحكام المدنية، أو من الأحكام الدينية لدين صحيح أو لدين وضعي من وضع البشر، ونحو ذلك، وليست في حقيقة ذاتها من الأخلاق.

ويوجد سبب ثالث للخطأ الذي يقع فيه الباحثون في علم الأخلاق، هو اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق، ونسبوا إلى هذا المقياس العصمة عن الخطأ، مع أنه مقياس غير كاف وحده، فقد يخطئ، وقد يصاب عند بعض الناس بعلة من العلل المرضية، فيعشى أو يعمى أو تختل عنده الرؤية، فيصدر أحكاماً فاسدة.

ومما سبق يتضح لنا أن أسباب الغلط أو المغالطة عند أصحاب فكرة نسبية الأخلاق، ترجع إلى ثلاثة:

الأول: تعميمهم اسم الأخلاق على أنواع كثيرة من السلوك الإنساني، فلم يميزوا الظواهر الخلقية، عن الظواهر الجمالية والأدبية، وعن العادات والتقاليد الاجتماعية، وعن التعاليم والأحكام المدينة أو الدينية البحتة، فحشروا مفردات كل هذه الأمور تحت عنوان الأخلاق، فأفضى ذلك بهم إلى الخطأ الأكبر، وهو حكمهم على الأخلاق بأنها أمور اعتبارية نسبية.

الثاني: أنهم جعلوا مفاهيم الناس عن الأخلاق مصدراً يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، مع أن في كثير من هذه المفاهيم أخطاء فادحة، وفساداً كبيراً، يرجع إلى تحكم الأهواء والشهوات والعادات والتقاليد فيها، ويرجع أيضاً إلى أمور أخرى غير ذلك، والتحري العلمي يطلب من الباحثين أن يتتبعوا جوهر الحقيقة، حيث توجد الحقيقة، لا أن يحكموا عليها من خلال وجهة نظر الناس إليها، فكل الحقائق عرضة لأن يثبتها مثبتون، وينكرها منكرون، ويتشكك بها متشككون، ويتلاعب فيها متلاعبون، ومع ذلك تبقى على ثباتها، لا تؤثر عليها آراء الناس فيها.

الثالث: اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق.

أما مفاهيم الإسلام فإنها .... قد ميزت الأخلاق عما سواها، وميزت السلوك الأخلاقي عن سائر أنواع السلوك الإنساني، فلم تعمم تعميماً فاسداً، ولم تدخل في مفردات الأخلاق ما ليس منها، وهي أيضاً لم تعتمد على مفاهيم الناس المختلفة، ولم تتخذها مصدراً يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، وأما العقل والضمير فإنها لم تهملهما وإنما قرنتهما بعاصم يردهما إلى الصواب كلما أخطأ سبيل الحق والهداية والرشاد، وهذا العاصم هو الوحي الذي نزل بدين الله لعباده، وشرائعه لخلقه، وتعاليمه التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، لأنها تنزيل من عزيز حكيم، وقد بلغها رسله. أما صورتها المثلى المحفوظة من التغيير فهي ما ثبت في نصوص الشريعة الإسلامية، المنزلة على رسول الله محمد صلوات الله وسلاماته عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015